آخبار عاجل

جمــال حمدان .. شاعر الجغرافيا.. بقلم: د. محمد مصطفى الخياط

16 - 04 - 2021 12:37 443

تحل في السابع عشر من أبريل ذكرى وفاة العلامة جمال حمدان، علم أعلام الجغرافيا السياسية. ناهزت مؤلفاته الأربعين كتابًا، فضلا عن عشرات المقالات. ولد في فبراير 1928، ورحل في ظروف غامضة عام 1993.
لم تكمن عبقرية الأستاذ الدكتور جمال حمدان في تفرده في تخصصه وتنوع مؤلفاته وحسب، بل في نظرته الاستراتيجية الشاملة للأبعاد ذات الصلة، ومنها الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية. أضف إلى ذلك قدرته في جعل علم الجغرافيا الخشن مادة ثقافية متداولة بين أيدي طبقات المجتمع كافة، دون أن يشعر أحد منهم بغربة اللغة أو جفاف المادة العلمية. بحر يجد فيه العابر نسمة لطيفة، ويهنأ فيه الغواص باللؤلؤ والمرجان. 
يقول في صدر مجلده الأشهر "شخصية مصر"، البلد والإقليم: (ليس هدفنا –يقصد الكتاب- أن نشرح المكان لنقدم عن اعضائه واجزائه موسوعة كتالوجية وصفية، ... ولكن الهدف أن نعتصر روح المكان ثم نَستَقطِرُه حتى يُستَقطَب في أدق مقولة علمية مقبولة ويتركز في أكثف كبسولة لفظية ممكنة)، وهل يملك هذه الأدوات إلا خبيرٌ عليم، ثم ها هو يستطرد ناصحًا (بل إننا لنذهب إلى أبعد من هذا. إن هدف العلم، أي علم، إنما الوصول من آلاف التفاصيل ودقائق الجزئيات وركام المعلومات إلى الكليات العامة والمعادلات المركبة أو البسيطة الضابطة والقوانين الأساسية الحاكمة). وتلك كانت غايته. 
يقول في كتابه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا"، (تبدو سيناء، بكتلتها المندمجة المكتنزة، كثُقل معلق أو كسلة مدلاة على كتف مصر الشرقي في أقصي الشمال لا تلتحم بها إلا بواسطة برزخ السويس). هذه عين فنان، تكشف شغفه بالرسم والفن والخط العربي.
يرى في سيناء أنها (... ليست مجرد صندوق من الرمال كما قد يتوهم البعض، إنما هي صندوق من الذهب، مجازًا كما هي حقيقة، استراتيجيًا كما هي اقتصاديًا.)، ثم يعدد في صفحات كتابه ما بها من مناجم الذهب والمعادن النفيسة وآبار البترول، علاوة على كونها عازل جغرافي يحمي المحروسة.
أما عن نظرته لعلاقة الدولة بمحيطها الخارجي، فيراه يبدأ من الداخل، كما ذكر في (شخصية مصر)، ".... أعظم سياسة خارجية ممكنة لمصر اليوم هي البناء الداخلي. كل ما عدا ذلك عاد بلا جدوى. ابن قوتك داخليا أولا ثم انطلق".
اعتزل حمدان العالم من حوله واعتكف للعلم. عرف مكانته أعلام الفكر والصحافة فسعوا إليه، كتب إليه الأستاذ محمد حسنين هيكل ذات مرة فافتتح رسالته قائلاً، "عزيزي الدكتور جمال حمدان.. لم أتجاسر هذه المرة أن أطرق بابك على غير موعد، ....). تلك هيبة يعرفها ويقدرها أهلها. مكانة لا ترتبط بوظيفة يتولاها، أو مسئولية تُعهد إليه، إنما مردها ما امتلك من علم تجاوز حدود الجغرافيا إلى غيرها من معارف.
ولعل هذه الكلمات تلخص رؤيته لعمل الجغرافي، (يربط الأرض بالناس، والحاضر بالماضي، والمادي باللامادي، والعضوي بغير العضوي). هذه رؤية استراتيجية تستهدف تبصير العامة والمتخصصين بصلب حياتهم والبقعة التى تجمعهم، ألا وهي الإقليم الذى يسكنون، بكل ما يحويه فوق سطحه وفي باطنه. 
أبى أن تقتصر كتبه على المتخصصين، فَعَمَدَ –كعادته- إلى الطريق الوعر يُعبده، والشاهق يصعده، والعميق يفحصه، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويقلبها على وجوهها، يُمسك القلم بيمناه، والقارئ بيسراه، والأخير يرافقه مطمئنًا مُستزيدًا من علمه، غير متكلف لمشقة، بينما استاذنا ماض في طريقه، يَعصِر ويُهدى فكرًا استقر في خلده هادئًا مطمئنًا، وأداته في ذلك لغة امتلكها فأطاعته، يرسم بكلماته أكثر مما يكتب بقلمه، فاستحق لقب (شاعر الجغرافيا).


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved