آخبار عاجل

أهرام مصر قلاع لا قبور .. بقلم د محمد مصطفى الخياط

22 - 04 - 2021 5:15 389

كان موكبًا مهيبًا ذلك الذى أطل علينا مساء الثالث من أبريل، غادرت فيه 22 مومياء ملكية فرعونية محلها بالمتحف المصري بميدان التحرير إلى المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط. مشهد أعاد للذاكرة حضارة فرضت نفسها، قديمًا وحديثًا، وأعادت للذاكرة بعضًا من تاريخ ما زال يثير شغف الكثيرين بالبحث والاستنتاج.

لم يدرك المهندس زهير شاكر أن رحلته مع أسرته عائدين من الإسكندرية، في ذلك العام، سوف تفتح له بابًا جديدًا في البحث عن تاريخ مصر الفرعونية. برز الهرم الأكبر أمامه فجأة وكأنه يدله على الطريق، استغرقه سؤال، هل يمكن أن يكون الهرم بمثابة منارة في قلب الصحراء تهدي المسافرين. بدا السؤال بسيطًا وإن استدعى العمل عليه مراجعات تاريخية وهندسية امتدت لسنوات. 

كان قد مضى على أول زياراته للأهرامات زمن بعيد، كان في الخامسة والعشرين من عمره مرافقًا لأحد الأجانب. فرق كبير بين أن تسمع عن الهرم وأن تقف تحت سفحه، تتطلع إلى أعلى قمته، وحجارته، فإذا الإنسان جد ضئيل.

عكف زهير على بحثه؛ بدءًا من هندسة أهرامات الجيزة وتلك الممتدة على الجانبين، ومواقعها وأبعادها وزواياها، مستعينًا بالخرائط والوثائق والمخطوطات. انتظامها في شكل قوس بالغ الدقة متدرج الارتفاع، يبدأ شاهقًا من الهرم الأكبر ثم ينخفض فى الارتفاع على الجانبين، أعطي بعدًا استراتيجيًا قفزت على إثره الأسئلة، ما الغرض من كل هذه الأهرامات؟، ولماذا تتفاوت ارتفاعاتها، وهل يمكن أن تبني فقط لحفظ مومياوات الملوك؟. 

بنى المصري القديم منازله بالطمي لما تتمتع به من سهولة في البناء وخصائص معمارية تتناسب مع البيئة الحارة والباردة. وبنى آثاره بأحجار الجرانيت والبازلت والحجر الجيرى تحقيقًا للخلود متبعًا قاعدة قلما خالفها؛ الجانب الغربي للمقابر، مستلهمًا حركة الشمس، والشرقي للإقامة. استثناءً من هذه القاعدة أقيمت مدينة منف في الغرب، والأهرامات في غرب الغرب، ومقابر هليوبوليس في الشرق.

مع مزيد من البحث والدراسة، استنتج دور الأهرامات كبوصلة عملاقة في كبد الصحراء، تحدد الاتجاهات كافة، وتسمح قممها الملساء في عكس ضوء القمر ليلاً، والشمس نهارًا، فيهتدي بها المسافرون. فضلاً عن كونها نقاط مراقبة، يسمح تفاوت ارتفاعاتها على الجانبين في فتح مجال الرؤية للمرابطين عليها، وألا يغطي إحداها على الآخر. كانت أقرب –من حيث التصميم والوظيفة- للقلاع والمنشآت العسكرية منها إلى المقابر. أيضًا وجد زهير شاكر في عدم العثور -في أي من الأهرامات- على مومياء ملكية واحدة أو أثاث جنائزي، ما يشكك في بناءها بغرض الدفن فقط.

بغوصه أعمق في التاريخ الفرعوني، راعه اعتماد الدراسين على فرضيتين أساسيتين؛ الأولي: أن الإيمان بالبعث والآخرة كانا وراء كل أعمال وآثار المصري القديم، والثانية: علاقة الخضوع التام بين الشعب والملك. ويعتقد زهير أن تطبيق هاتين الفرضيتين على مسار التاريخ الفرعوني كله شوه الكثير من الأحداث التاريخية وأغفل دور التطور والتطوير. فالمجتمعات مثل البشر، تسعى لتحقيق الحدود الدنيا للحياة، ثم تتخطاها للتطور والتوسع تمامًا كما عبر عنها عالم النفس الأمريكي أبراهام مازلو في تسلسل هرمي مكون من خمس مستويات.

وبلا شك، أن المصري القديم قد تركنا نتطلع في صمت ودهشة لما أبدعه من آثار، شيدها ومضي هادئًا راسمًا على وجوه كل من جاء بعده نظرة تقدير وإعجاب.

وفي النهاية، يعرض كتاب " أهرام مصر قلاع لا قبور"، لمؤلفه المعماري زهير شاكر، نظرة مغايرة، يتفق ويختلف عليها البعض، وإن ظلت محل تقدير، رغم مرور أكثر من ثلاثين عامًا على نشر كتابه ورحيله في آن. 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved