آخبار عاجل

قسوة الآباء على الأبناء.. لـ الكاتبة سلوى المؤيد

28 - 04 - 2021 5:55 4474

قصص الأحداث تعكس مآسي يعيشها هؤلاء الأبناء في ظل آباء جهلاء أنانيين ينجبون العشرات من الأبناء دون أن يكونوا قادرين على توفير أبسط حقوقهم الجسدية والنفسية ليقودهم الإهمال والحرمان والقسوة إلى الانحراف أو التشرد في الشوارع هربا ً من جحيم أسرهم فيكون مصيرهم مركز الأحداث .. البيت الذي أعدته وزارة الداخلية لتوفر من خلاله الحماية والرعاية والتعليم لهؤلاء الأطفال الذين تسبب لهم آباؤهم وأحياناً أمهاتهم عذاباً جعل قلوبهم الصغيرة تعرف معنى الألم والشقاء والحرمان قبل أن تعرف معنى الحب والفرح والأمان ..

 ومأساة " ش . ى " الفتاة البالغة من العمر 15 سنة صورة حية مؤلمة لما يعانيه هؤلاء الأبناء .. الأب جاهل .. أناني متزوج من ثلاث نساء لينجب 12 طفلاً .. رغم أن دخله لا يتجاوز الدينارين يومياً يحصل عليهما من بيع الخضار في السوق المركزي .. هذا الأب يفتخر بقدرته على الإنجاب لأنه لا يشغل تفكيره بأمر أبنائه بعد إنجابهم لا يهمه كيف يعيشون .. لا يهمه أن يوفر لهم أبسط حقوقهم كل ما يهمه قدرته على الطلاق متى شاء  دون أن يناقشه أحد وهذا ما فعله مع زوجته الثانية والدة هذه الفتاة البائسة عندما طالبته بحقوقها كزوجة وأم .. رمى عليها يمين الطلاق ببساطة وأرسلها إلى أهلها في إيران ليحرمها من ابنتها التي لم تتجاوز الشهرين وجنى على ابنته المسكينة التي ترعرعت محرومة من حنان الأم وعطف الأب.

  الجفاف العاطفي يلف بضبابه الأسود الفتاة الحزينة إلا من نور ضئيل يحمل بعض الحب من زوجة أبيها هذه الإنسانة الوحيدة التي حملت حبا ً لهذه الفتاة  التعيسة لتعيش مع زوجته القاسية المتسلطة التي لم ترحم هذه الفتاة وكانت ترمي عليها بأبنائها وأعمال بيتها  لتدور هي من بيت إلى بيت تدخن الشيشة وتتسلى بالحديث مع صديقاتها .. وتصبر الفتاة وتؤدي المطلوب منها .. لكن الصبر لابد أن تتخلله لحظات من الثورة المتوجعة  وتعود زوجة الأب لتجدها لم تؤد ِ ما طلب منها فتنهال عليها كعادتها بعصي غليظة ولا يرحم الأب ابنته الصغيرة وإنما يقف ضدها مع زوجته دون أن يحاول معرفة الحقيقة مستخدماً هو الأخر العصي في ضربها وهو يصب عليها عباراته الجارحة المهينة .. ليضاعف عذاب هذه الابنة البائسة خصوصاً وهى ترى التفرقة الواضحة بينها وبين أخواتها من هذه الزوجة فتهرب إلى الشارع ضائعة حائرة ..  تسأل امرأة وجدتها في طريقها أن تأخذها إلى بيتها لتخدمها وتمنحها مقابل خدمتها ..المأوى والأمان .. لكن المرأة فضلت الاتصال بالشرطة .. فجاءت لتحمل الفتاة إلى مركز الأحداث من أجل حمايتها من الضياع والانحراف.
قالت لي الباحثة الاجتماعية :
 
حاولنا أن نقنع الأب بتغيير معاملته لابنته لكننا فشلنا لأنه لا يهتم إلا بضرورة ارتدائها "الشيله" بدلا من ثيابها العصرية ولم يأت لزيارتها إلا مرة واحدة عندما أراد تزويجها لشخص يقاربه سناً .. وبالطبع رفضت الفتاة وفضلت الإقامة بالمركز .

•    وأسأل عن الأم لماذا لم تتصل بابنتها ؟ 
-    وتجيب الباحثة بأنها لا تدري .. كل ما نعرفه أن هذه الأم لم تتصل بزوجها منذ رحيلها .

*هل ذهبتم إلى بيت والد الفتاة ؟
نعم عدة مرات .

•    هل بإمكانك وصفه ؟
-    كان عبارة عن ثلاث غرف .. في إحداها فراش وخزانة حديدية للملابس .. وباقي الغرف بها حصير فوقه بعض الصناديق .

•    كيف كان وضع الأولاد المعيشي ؟
-    مهملون .. الولد ثيابه بالية وأمه لا تأبه بوضعها على جسده رغم برودة الجو .. ولا أدري إذا كان إهمالها قد تسبب في وفاة آخر أبنائها الذي غرق في وعاء يستخدمه أهل القرية للاستحمام.
                                                        
•    كيف كانت حالة الفتاة الصحية والنفسية عندما جاءت إلى المركز لأول مرة ؟
-    كانت هزيلة الجسم .. مذهولة العقل نتيجة الاضطهاد والقسوة والقهر النفسي .

•    يتطلب علاج المريضة النفسي حضور الأب فهل قبل والدها الحضور ؟
-    لا.. بل رفض بشدة وقال عندي بدل هذه الابنة عشر أبناء وكلهم أفضل منها على الأقل لم يرتدي أحد منهم الملابس التي ترتديها الآن.

   وتتابع الباحثة 
-    إن كل ما يهم هذا الأب هو ارتداء ابنته لملابس القرية التقليدية وأن تتزوج الكهل الذي اختاره لها حتى لا يقول أهل القرية إن ابنته تجاوزت السابعة عشر ولم تتزوج أما أحاسيسها وأحزانها فهذه أمور لا يهتم بها على الإطلاق .
•    بماذا نصحكم الطبيب النفسي لعلاج الفتاة من الناحية النفسية ؟
-    طلب منا أن نقوم بتهيئة الظروف لها لمخالطة المجتمع .. فألحقناها بمشغل الخياطة المتواجد فى وحدة ابن النفيس النفسية لتتعلم مهنة مفيدة تشغل بها تفكيرها في الوقت الذي تختلط فيه بالنساء الراغبات في تعلم هذه المهنة ومازالت تذهب يومي السبت والأربعاء .

•    هل تزور والدها أثناء تواجدها في المركز ؟
- نعم .. يومي الخميس والجمعة .. نأخذها لزيارة أهلها لكنها أصبحت تنفر من الذهاب في المدة الأخيرة بسبب ما تلاقيه من تعذيب وكره هناك .. وطلبت الذهاب إلى المرأة التي ربتها لكنها رفضت أن تزورها هذه الأبنة إلا يومي الثلاثاء والأربعاء عندما يكون ابنها في عمله. 

•    ترى هل تأت ِ هذه المرأة لزيارة الفتاة في المركز ؟
-    نعم أعتقد أنها الزائرة الوحيدة لهذه الفتاة المسكينة .. لكن زياراتها غير منتظمة أي حسب ظروفها الأسرية.

شعرت أني راغبة في الحديث مع الفتاة .. ألمس مشاعرها وآلامها وأعبر عنها بقلمي لأنها أصدق من أي حديث يُـكتب عنها..
  وجاءت .. ملابسها نظيفة ومرتبة .. سمراء طويلة .. تأملت وجهها .. العينان تجمد فيهما الحزن مفتقدتا التعبير .
جلست صامتة .. حاولت أن أكسر جدار صمتها .. لكنها مترددة وخائفة من الحديث .
قلت لها وأنا أحاول الاقتراب منها .
أنا هنا لأساعدك .. اعتبريني صديقة لك ِ تفضين إليها بما يضايقك .
ماذا أقول :
 وعادت إلى سرحانها المؤلم .
عند ذلك تدخلت الباحثة الاجتماعية لتساعدني في مهمتي  .
 حدثيها عن مشاكلك ألا يوجد  لديك مشاكل ؟  
هزت رأسها موافقة وعيناها مسلطتان على أرضية الغرفة .
حاولت أن أتسلل إلى نفسها من خلال نقطة هامة فى حياتها لتتحدث .

قلت ..
•    هل يحبك والدك ؟
وفوراً أجابت بألم: 
- لا .. بل يكرهني ولا يطيق رؤية وجهي .

•    لماذا ؟
-    لا أدرى ربما بسبب أمي التي انفصل عنها وأرسلها إلى أهلها.

•    منذ متى كان ذلك ؟
-    منذ أن كان عمري شهرين .
 
وابتلعت غصة ألم أوقفتها عن الكلام .

•    وأين وضعك والدك بعد رحيل أمك ؟
-    عند زوجة والده وهي التي ربتني .

•    هل أدخلك والدك المدرسة ؟
-    لا .. زوجته قالت أني كبيرة على المدرسة وأدخل كل أبنائه إلا أنا .

•    لماذا قالت زوجة أبيك ذلك ؟
-    لكي أقوم بأعمال البيت .. فـتتمكن هي من الخروج وقتما تشاء .

•    وعندما جئت إلى مركز الأحداث هل التحقت بالمدرسة التي أعدها المركز من أجلكم ؟
-    نعم وأنا الآن في الصف الثاني الابتدائي .


•    ماذا تتمنين أن تكوني في المستقبل ؟
طبيبه .. قالتها بنبرة حزينة يائسة .. وانتقلت إلى جانب أخر من حياتها .

•    كيف كانت تعاملك زوجة أبيك ؟
تضربني دائماً بعصاً غليظة .. وأبي كان يضربني معها دون أن يحاول معرفة ما إذا كنت المخطئة أم هي .
واسترسلت في الحديث بسهولة وعنف لتنفض ما بنفسها من آلام متراكمة:
أنا أشعر أن أبي وزوجته يكرهانني .. يفرقان في معاملتهما بيني وبين إخوتي .. يشتريان لهم في الأعياد الملابس الجديدة .. وأنا لي الملابس القديمة المستعملة .. زوجة أبي تريدني أن أخدمها طوال النهار .. وهي تدور صباحاً ومساءا ً في بيوت صديقاتها .. وعندما أتعب من الخدمة وأرفض أن ألبي طلباتها .. تضربني بقسوة ثم تذهب إلى والدي غاضبة تخبره بأني لا أطيعها وأني عنيدة وأحمل لها الكراهية .. فيأتي أبي ليضربني هو الآخر .

•    وهذا ما دفعك إلى الهروب من البيت ؟
-    نعم .. وانسحبت مرة أخرى إلى عزلتها النفسية .
حاولت أن أستدرجها للحديث مرة أخرى فسألتها :

•    كم عدد إخواتك من هذه الزوجة ؟
-    ثمانية .. غرق آخرهم في وعاء وضعته به أمه لتغسله .
(هل سقطت قيمة الإنسان إلى هذه الدرجة في البيوت التي يغمرها الجهل والفقر وكثرة الأبناء.)

•    كم كان عمره ؟
-    عشرة أشهر .

•    هل يساعدك أحد من أولادها في القيام بأعمال البيت ؟
-لا .. لكن لديها ابنة في الثالثة عشرة  من عمرها تساعدني في الاهتمام بالأطفال عندما تخرج أمها لزيارتها اليومية .

•    هل يأتي والدك لزيارتك في المركز؟
-    جاء مرة واحدة ليطلب أخذي من أجل تزويجي لرجل يقاربه سنا ً ورفضت الذهاب معه ووقف المسئولون في المركز معي ضد هذا الزواج .. ألا يكفي ما سببه لي والدي من آلام حتى اليوم حتى يضاعف عذابي بهذا الزواج 

•    لو سألتك ماذا تريدين أن تقولي لوالدك بماذا تجيبين ؟
سكتت قليلاً مترددة ثم أجابت :
- أريد أن أقول له .. لماذا تعذبني وتهملني يا أبي .. ؟  لماذا تكرهني ولا تدللني مثلما تدلل بقية إخوتي .. لماذا تشتري لإخوتي ملابس جديدة في العيد وترمي لي بالملابس المستعملة .. ماذا فعلت أنا لتحب إخوتي أكثر مني .. ألا يكفى أنك قد حرمتني من أمي وعمري شهران .. وتركتني تحت رحمة زوجتك تقسو علي وتعذبني .. وتساندها أنت في تعذيبي دون أن تحاول معرفة من المخطئ أنا أم زوجتك.

•    وماذا تريدين أن تقولي لأمك ؟
سرحت بعينيها بعيداً .. تبحث عن الإنسانة التي أنجبتها للعذاب .. ولم تفكر بالسؤال عنها أبداً .
-    أريد أن  أقول لها .. لماذا رميتني يا أمي بعد أن طلقك والدي؟  لماذا تركتني لتعذيب أبي وزوجته .. ولم تسألي عني حتى اليوم ؟
وعندما لمست ُ الألم في نبرات صوتها انتقلت إلى نقطة أخرى.. حاولت أن أرى كيف تنظر هذه الفتاة إلى الحياة بعدما قست عليها كثيراً .
أجابت :
 أحيانا ً  أراها حلوة وأحياناً كريهة.. وستكون أحلى إذا استطعت الحصول على الشهادة .

•    هل لديك هوايات ؟
-    منذ أن تعلمت الخياطة أصبحت أميل إليها.

•    هل تذهبين الآن لزيارة والدك ؟
لا .. لم أذهب منذ شهرين.
•    لماذا ؟
-    لأنه يضربني هو وزوجته فلماذا أذهب إليه ؟.. قلت للمسئولة بأني أريد الذهاب إلى زوجة أب والدي التي ربتني وأنا أذهب إليها الآن يومين في الأسبوع.

•    هل ترتاحين لشخص معين في المركز ؟
-    لدي صديقتان.. أقول لهما بعض ما في نفسي لكنني مرتاحة لأكثر الناس هنا .

•    هل تشاهدين التليفزيون ؟
-    نعم .
  هذه حكاية  أبناء كثيرون محرومون من أبسط حقوقهم الجسدية والنفسية معذبون بمشاحنات آبائهم أو بانفصالهم معرضون للحوادث والأخطار والانحراف.. هائمون على وجوههم يبحثون عن معاني الأبوة والأمومة التي يقرؤون عنها في كتب المدرسة ولا يجدون لها أثرا ً  في حياتهم الأسرية فمتى تقوم الدولة بحملات توعية لتنظيم النسل وتوعية الآباء بأهمية الحب والعطف والحزم في التعامل مع أبنائهم.

  

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved