نادرة تلك الدول التي حفرت في جدار التاريخ مآثر، تتجاوز محدودية مساحتها، وإنجازات يحتاج تحقيقها إلى أضعاف عمرها الزمني. دولة الإمارات واحدة من هذه الدول النادرة، بل وتقف في مقدمتها.
وفي مناسبة التاسع عشر من رمضان، وهي ذكرى ليوم زايد، ذكرى للعمل الإنساني والخيري، ندرك أن هذه الحقيقة لم يكن لها أن تكون مسلّماً بها دولياً، لولا أنها ممهورة بتوقيع وبصمات القائد المؤسس المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي ارتبط اسمه بداية بتأسيس دولة اتحادية راسخة وواثقة، ثم بوضع هذه الدولة على رأس مشهدية إنسانية، خفقت لها القلوب في شتى أصقاع الأرض.
فالمغفور له، بإذن الله تعالى، ترك أثراً عظيماً لن ينساه العالم، لأنه قائد عظيم، والعظماء ينقشون أسماءهم في سجلات التاريخ الإنساني بأحرف من نور، خطّها على صفحات تخطت حدود دولته إلى آفاق رحبة.
ولأنه «لكل مقام مقال»، فإن العنوان الإنساني في حياة الشيخ زايد هو ما سنسلط الضوء عليه، رغم أن العالم يعرف أن المغفور له لم يترك مجالاً من دون أن يترك بصمة فيه، من تشييد المدن، وإعداد أقوى البنى التحتية على أحدث الأنماط العصرية، إلى بناء شعب أصيل أبدع في المزج الإبداعي بين المعاصرة والأصالة.
من يستعرض سيرة المغفور له، تنطبع في ذهنه صورة إنسان، يجسّد كل معاني السمو والرقى، إنسان ينظر إلى الناس بعينين لا تميّزان بينهم على أساس الديانة أو الجنسية أو العرق أو اللون، بل إلى الإنسان كما خلقه الله.
لم يكن الطيف الإنساني للشيخ زايد طيّب الله ثراه، عشوائياً بل طيفاً منظّماً، جسّدته مؤسسة خيرية، تحمل اسمه «مؤسسة زايد للأعمال الإنسانية»، التي زرعت بذور خيرها في قارات الأرض.
وتجلت هذه الأعمال في بناء المدارس والجامعات والمستشفيات وحفر الآبار، وأعمال إغاثية ومساهمات ومساعدات في جميع أرجاء المعمورة، بلغت قيمة المساعدات التنموية والإنسانية، التي أمر المغفور له، بإذن الله، بتوجيهها منذ عام 1971 حتى 2004، واستفادت منها 117 دولة نحو 90.5 مليار درهم، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة التنمية والتعاون الدولي آنذاك.
مؤسسات ومساجد
في مسيرته الإنسانية التي لم يوقفها سوى توقف قلبه عن النبض، ترك، طيب الله ثراه، في سجله مؤسسات تحمل اسم «الشيخ زايد» في معظم دول العالم، قريبها وبعيدها، ففي فلسطين، هناك مشروع ضاحية الشيخ زايد في القدس، إلى جانب مشاريع أخرى، منها إعمار مخيم جنين، وبناء مدينة الشيخ زايد في غزة، ومدينة الشيخ خليفة في رفح، والحي الإماراتي في خان يونس.
وفي مصر يعد مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الأزهر بالقاهرة مركزاً عالمياً لتعليم الفصحى لغير الناطقين بها، وفي 2013 تم افتتاح مستشفى الشيخ زايد في منطقة منشأة ناصر بالقاهرة، وسبق إنشاء مستشفى الشيخ زايد المركزي، ومستشفى الشيخ زايد التخصصي، في مدينة 6 أكتوبر.
وتحمل العديد من المساجد حول العالم اسم الشيخ زايد، طيب الله ثراه، إذ تكفل بإنشائها أو إعادة تأسيسها، ومن بينها مسجد يقع في سلاو في بريطانيا، ومسجد الشيخ زايد في كيرا بإثيوبيا، ومسجد الشيخ زايد في المغرب، والمسجد الجامع في كينيا، ومسجد الشيخ زايد في ستوكهولم، ومسجد دالي في باكستان، ومسجد الشيخ زايد في مشروع مرسى زايد بمدينة العقبة الأردنية.
ثقافة إنسانية
الثقافة الإنسانية لم تغب عن خلد القائد المؤسس، ففي العاصمة الصومالية مقديشو هناك مشروع مركز زايد الثقافي، وفي عاصمة مالي «باماكو»، هناك كلية زايد للعلوم الإدارية والقانونية، وفي نيودلهي كلية زايد للبنات الهند، وفي بنغلادش كلية زايد للحاسوب بشيتاغونغ، وفي السويد مركز زايد الثقافي باستكهولم.
وفي بكين مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية، ومن بين الجامعات والمعاهد التعليمية كلية زايد للبنات في أوكلاند بنيوزيلاندا، وجامعة آدم بركة في أبشي بتشاد، وفي باكستان، ثلاثة مراكز إسلامية بكراتشي ولاهور وبيشاور.
طب ومستشفيات
اهتم، طيب الله ثراه، ببناء المستشفيات والمراكز الصحية في الدول الفقيرة، ومن هذه المستشفيات، مستشفى زايد في «موروني- جزر القمر»، ومستشفى زايد للأمومة والطفولة «كابول، أفغانستان»، ومستشفى الشيخ زايد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ومستشفى الشيخ زايد في مدينة فوشتري بكوسوفو، ومستشفى زايد للأمومة والطفولة في صنعاء.
ومستشفى الشيخ زايد في رام الله بفلسطين، ومؤسسة الشيخ زايد العلاجية وتطوير مركز «مريم» الخاص برعاية الطفولة في المغرب، وكلية الطب ومستشفى ناصر بمدينة ود مدني السودانية، وفي أمريكا، معهد الشيخ زايد لتطوير جراحة الأطفال في واشنطن.
وفي كينيا، هناك مركز زايد لرعاية الأطفال، وفي غامبيا، يعد مركز زايد الإقليمي لإنقاذ البصر المشروع الأهم في الوقاية من فقدان البصر في الدول النامية.
وحظيت المنظمات الدولية والإسلامية، بدعم كبير من المغفور له، فبعد قيام دولة الاتحاد تبرع بمبلغ 50 ألف دولار لدعم أنشطة منظمة «اليونيسيف»، وبتوجيهاته تبرعت دولة الإمارات بـ 424 ألف دولار لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و100 ألف دولار لصندوق رعاية الطفولة «اليونيسيف» و54 ألف دولار لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، وقدمت قرضاً من دون فوائد إلى «اليونيسكو»، تبلغ قيمته مليونين و400 ألف دولار.
مساعدات إغاثية
في عام 1999 وصلت إلى الخرطوم أكثر من طائرة إغاثة، لمساعدة المتضررين من الفيضانات، التي اجتاحت ولاية دنقلا السودانية. وتبرعت دولة الإمارات بعشرة ملايين دولار، لمساعدة شعب البوسنة والهرسك على تجاوز محنته.
وقدمت مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية 145 طناً من المساعدات الغذائية للمتضررين من المجاعة، التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي، وفي عام 2000 بدأت جمعية الهلال الأحمر بتوزيع الأضاحي بجمهورية أنغوشيا على النازحين الشيشان.
وفي الوقت نفسه، امتدت يد الشيخ زايد الحانية للمتضررين من النكبات في العديد من دول العالم المتقدمة، ففي عام 1992 تبرعت دولة الإمارات بخمسة ملايين دولار لصندوق إغاثة الكوارث الأمريكي لمساعدة منكوبي وضحايا إعصار أندرو، الذي ضرب ولاية فلوريدا.
وفي عام 1999 وبتوجيهات من الشيخ زايد غادرت مطار أبوظبي طائرة إغاثة متوجهة إلى اليونان لمساعدة المتضررين من الزلزال، الذي ضرب مناطق واسعة من البلاد.
هذه مجرد أمثلة، لأن الإحاطة ببصمات الشيخ زايد، طيب الله ثراه، تحتاج إلى مجلدات، لكن هذا القليل المذكور والكثير غير المذكور، سيبقى يحكي حكاية إشعاع إنساني عابر للحدود اسمه «زايد».