
وقفنا، في أحد ردهات (البوندستاج)؛ البرلمان الاتحادي الألماني، أمام جدار دونت على أحجاره اسماء مستشاري ألمانيا، منذ أوتو فون بسمارك، أول مستشار عام 1867، ما عدا حجر واحد طُلى باللون الأسود. قالت مرافقتنا الألمانية بأسى (إنه الخاص بهتلر..)، ثم أردفت (حول هتلر العالم إلى جحيم.. خسرت ألمانيا الحرب وشطرت إلى نصفين.. لسنا فخورين به.. لذا شُطب اسمه).
في الجانب الشرقي، شبت أنجيلا كاسنر في كنف أب يعمل قِسًا وأم تُدرس اللغتين الإنجليزية واللاتينية، وتفرغت للكيمياء والأبحاث. وعندما تزوجت زميلها أولريش ميركل حملت اسمه؛ أنجيلا ميركل، حتى بعد انفصالهما وزواجها ثانية من أستاذ جامعي.
لم تخطر السياسة على بالها إلا بعد انهيار جدار برلين عام 1989 وتوحد ألمانيا. انضمت إلى الحزب الديمقراطي المسيحي لتشق طريقها السياسي، عضوية (البوندستاج)، وزيرة للمرأة والشباب، فوزيرة للبيئة، فأمينًا عامًا للحزب.
منذ توليها منصب المستشارية عام 2005، حققت ميركل نتائج إيجابية منحتها ثقة الناخب الألماني لأربع فترات متتالية. احتل الاقتصاد الألماني المركز الأول أوربيًا، والرابع عالميًا. تحول عجز الميزانية إلى فائض، فمدت يد المساعدة للدول الأوربية الأضعف اقتصاديًا، كاليونان، وإسبانيا، والبرتغال، وقبرص. وضعت حدًا أدنى للأجور، أتاح للجانب الشرقي النمو بمعدلات أفضل. انخفضت البطالة من 12%، وقت تعيينها، إلى ما دون 5%. وفتحت أبواب ألمانيا لأكثر من 1,5 مليون مهاجر، فأطلقوا عليها لقب (ماما).
رغم ما حققته من نجاحات، أعلنت ميركل في ديسمبر 2018 استقالتها من رئاسة الحزب واعتزال السياسة بنهاية الفترة التشريعية الحالية، سبتمبر 2021، ليُفتح باب المنافسة أمام الجميع على منصب المستشارية.
من بين خمسة عشر حزبًا تتفاوت نسب تمثيلهم في (البوندستاج)، يتصدر المشهد ائتلاف )الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ 28%، والحزب الاجتماعي المسيحي؛ 6,5%(، يليهما الحزب الديمقراطي الاشتراكي؛ 22%، واليسار؛ 9,7%، فالخضر؛ 9,4%.
بحسب الاستطلاعات، تتصدر أنالينا بابوك، رئيس حزب الخضر، قائمة المرشحين لمنصب المستشار؛ 28%. وأرمين لاشيت، رئيس الاتحاد المسيحي؛ 22%، وأولاف شولتز، مرشح الحزب الاشتراكي؛ 17%. تشبه استطلاعات الرأي تقلبات الطقس. يعالج المرشحون ثغراتهم. كما أن صعوبة تحقيق أي منهم أغلبية مطلقة، يفتح الباب أمام تحالفات تغير الخارطة السياسية.
في محاولة لقراءة المشهد، استضاف التليفزيون الألماني ممثلي الأحزاب الثلاث. ألمان من أصول عربية، الجيل الثاني للمهاجرين.
أشاد ممثل الاتحاد المسيحي بالخبرة السياسية للاشيت. وانتقد الصراع مع الائتلاف للترشح لمنصب المستشارية. كما أبدى قلقه من أداء حزب الخضر، وقدرة أنالينا، ذات الأربعين عامًا، على عرض رؤية أكثر حداثة، وإن توقع فوزها بالمنصب في انتخابات 2025، وليست الحالية.
أشارت ممثلة الحزب الاشتراكي إلى امتلاك شولتز خبرة سياسية عريضة؛ وزير مالية أدار خزانة ألمانيا بحرفية استحق عنها تعيينه نائبًا لميركل. وأن تحدي الحزب يكمن في داخله؛ صعوبة وصوله للجماهير مع حدة النقد الذاتي لرموزه. ووصفت حزب الخضر بأنه بلا لون أو خط سياسي واضح. وأكدت أن أصوات حزبها ستحدد شكل الحكومة القادمة.
يبتسم ممثل حزب الخضر ويؤكد أن حزبه يتعاون مع كل الأحزاب الديموقراطية. كما أن أجندته لا تقدم أفرادًا للناخب، بل حزبًا يرى المستقبل، وليس أدل على ذلك من تبني الأحزاب الأخرى ما يطرحه من موضوعات في البيئة والطاقة وتكنولوجيا المعلومات.
حوار هادئ دافئ، كأنما يتحدثون عن انتخابات تجري على سطح القمر. لم يرتفع صوت أحدهم ولا قاطع منافسيه. اعتراف بالآخر. وبأن كل الاحتمالات متاحة. أبجديات سياسة رسخها مناخ شفاف متوازن.
تُرى من سيكتب الناخبون اسمه على جدار البوندستاج سبتمبر القادم؟.