مادام هناك أباء وأبناء فإن الغيرة ستكون متواجدة بدرجات متفاوتة في نفوس هؤلاء الأبناء إلا أننا نستطيع كأباء التخفيف منها لو تعلمنا كيف نتعامل مع اطفالنا في تلك المواقف. والحديث حول مشاعر الغيرة بين الإخوة يطول ويتنوع لكننا سنختار منه موضوعاً هاماً يتعلق بغيرة الطفل الأكبر من مجيء طفل جديد للاسرة وكيف يمكننا معالجة مثل هذا الموقف والتخفيف من جوانبه السلبية أي مولود جديد سيواجه بالغيرة من أخيه الاكبر لأنه سيشعر بعد مجيئة أنه فقد الكثير من اهتمام والديه .
ومهما حاول الوالدان أن يعدا ابنهما لهاذ الموقف إلا أنه لا يستطيع أن يتوقف عن الاحساس بالغيرة من أخيه الذي جاء كالكارثة بالنسبة له خصوصاً عندما يكون طفلاً حساساً ألم يبدأ بمزاحمته علي حب والديه واهتمامهما ؟
فكيف يمكنه أن يحبه ؟ لقد بدأت نفسيته تضطرب وتقلق أصبح يتمني لو يستطيع التخلص منه لو يموت لو يستطيع أن يرميه في سلة المهملات إن أكثر ما يخاف منه الوالدان أن يؤدي طفلهما المولود الجديد ومن المؤكد أنهما لن يسمحها له أن يؤذيه لا بالسب والشتائم ولا باليد لأن هذا النوع من الايذاء سيضر المعتدي والضحية .. فالاخ الأكبر لن يغفر لنفسه لو أذي اخاه الصغير لأنه في الاساس يحبه ولا يريد ايذاءه .
إذن ماذا نفعل كأباء لمعالجة هذه الغيرة التي اشتعلت في نفس الطفل الأكبر؟
إن أهم ما يحتاج إليه هذا الطفل الغيور أن نتفهم مشاعره ولا نهاجمها حتي لا ندفعه إلي المزيد من الاحساس بالذنب وعدم الاطمئنان .
فمثلاً إذ فوجيء الأب بطفلة البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو يعتدي علي علي أخيه الصغير فإن عليه إيقاف هذا الاعتداء فوراً علي أن يقول جملة يعبر من خلالها عن مشاعر ابنه فيقول: إن ما فعلته يدل علي أنك لا تحب أخاك
أو يقول له : يبدو أنك زعلان من أخيك الصغير. تعالي ارني مدي ما يسببه من ازعاج لك
ثم يعطيه والده عروسة كبيرة لكي ينفس فيها عن غيظة عندئذ قد يضرب الطفل اللعبة أو يضع اصبعيه في عينيها أو يرميها علي الارض ويدوس عليها مهمة والده أن يراقبه بعين محايدة ويتجاوب معه بشفقة لكنه يجب أن لا يبدو عليه أنه فوجيء بعنف مشاعر ابنه العدائية إن الطفل هنا يعبر عن مشاعر صادقة في نفسه وضربه لن يضر العروسة وأفضل لنا وله أن ينفس عن غضبه بهذه الطريقة بدل أن يوجهه إلي أخيه أو يعبر عن غيرته دون أن يشعر بالتبول اللا ارادي أو النوم القلق .
والأفضل أن يعلق الأب بجمل مختصرة بعد أن ينتهي طفلة من ضرب اللعبة .
فيقول مثلاً : لقد علمت الآن كم يسبب أخوك من ضيق لك
أو يقول له: إذا شعرت مرة اخري بالغضب تعال قل لي لاساعدك علي التخلص منه
إن طريقة الأب في مخاطبة ابنه ستجعل شعور الغيرة يتضاءل في نفسه أكثر من عقابه أو اتهامه. مثلما أخطأ والد علي البالغ من العمر اربع سنوات عندما رآه يرفس اخاه الرضيع فانفجر فيه قائلاً: ماذا تفعل ياولد؟ هل تريد أن تقتل أخاك أو أن تجعله عاجزاً؟ كم مرة قلت لك أن لا تلمسه فقط لا تلمسه هل فهمت؟
وبالطبع دفع الأب بهجومه السلبي ابنه إلي الاحساس بالذنب والكراهية لنفسه لأنه فكر في أن يعتدي علي اخيه بينما كان المفروض منه أن يحبه وكان الاحسن أن يتحدث معه والده بما يعبر عن مشاعره نحو اخيه فيقول: انت تتمني لو أن أخاك غير موجود حتي تكون أنت ولدنا الوحيد
أو يقول له: الاحظ أنك غاضب علي اخيك إلي درجة تدفعك إلي ضرفه أنا لا اسمح لك بأن تولمه إذا لاحظت أنني اهتممت به أكثر منك تعالي قل لي حتي انتبه وأوزع اهتمامي بينك وبين أخيك .
والواقع أن أولادنا لا يحتاجون منا أن نعاملهم معاملة متساوية تماماً وانما أن نعامل كل واحد منهم معاملة متميزة خاصة تتناسب مع صفاته الشخصية فالأباء الذين يحاولون أن يكونا مثاليين في مساواتهم بين ابنائهم سينتهي الامر بهم إلي التوتر والاحباط فالحياة تصبح غير محتملة إذا حاول الأب مثلاً أن يفعل لولده الاول ما يفعله بالضبط مع ولده الثاني سيشعر طفل العاشرة بالظلم إذا نام في الوقت الذي ينام فيه أخوه البالغ من العمر اربع سنوات فهو قد كبر ويريد أن يبقي وقتاً أطول إذن لا يستطيع الآباء أن يحققوا المساواة الكاملة بين ابنائهم لكن يستطيع كل أب أن يعامل كل طفل من اطفاله باسلوب يتناسب مع عمره الزمني ومميزات شخصيته وهو ما يريده الاطفال من آبائهم ما يهمهم هو نوع الحب الذي نمنحهم إياه لا المساواة التامة بينهم كل ما علينا كأباء هو أن نوضح لهم أن كل سن لها مطالبها لذلك لن نكون عادلين لو أننا عاملناهم جميعاً وهم في اعمار مختلفة معاملة متساوية كما أن علينا أن لا نغرق في نقاش لا نهائي معهم عن العدل وعدم العدل في قراراتنا .
إن أهم ما يجب أن يحرص عليه الأب والأم عندما يجلس احدهما مع طفله هو أن يمنحه في الوقت المخصص له اهتماماً كاملاً لا يدع احداً يقطع عليه خلوته معه حتي لو كانت مكالمة تلفونية وسيعبر الطفل في هذه الجلسة الخاصة عن مشاعره وميوله وما يمر به خلال يومه وسيتبادلان الآراء كالاصدقاء كل ذلك سيشعر الطفل بأن له مكانة خاصة في نفس والده أو والدته فتقل الغيرة بين الإخوة وما يتبعها من مشاجرات يوميه للحصول علي حب أبائهم