عندما غادر الدكتور بطرس غالى، أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، منصبه أصدر كتابه (5 سنوات في بيت من زجاج)، تحدث فيه عن خلفيات اتخاذ الكثير من القرارات في المنظمة العالمية العتيقة، وتأثير الدول الكبرى، ومتى استخدم الفيتو كحق يراد به باطل لإعاقة استصدار قرار يحظى بالإجماع من كافة الدول، حتى صارت المنظمة أقرب ما تكون إلى جثة لا يربطها بالحياة إلا نفس يتردد جراء توصيلها بإسطوانة أكسجين، فإذا نُزعت منها فارقت الحياة. جسد غير قادر على الحركة، لا ميت ليدفن ولا واقف لينهض. حاضرة وغائبة في آن واحد.
ولعنوان الكتاب دلالات صارخة، بيت من زجاج، لا ساتر فيه ولا مستور. لا خصوصية لساكن وإن كان عابرًا. بالمعني الدارج (الشغل ع المكشوف). كما أنه بيت سهل تحطيم جدرانه واقتحامه، تكفي حصاة صغيرة لكسره أو على الأقل ترك آثار تنتشر خطوطها العنكبوتية في كافة الاتجاهات بعشوائية. من هنا يصبح على ساكن البيت ألا يستعدى أحدًا، وإن عاداه الآخرون سالمهم، يبحث دائمًا عن التهدئة، بمعني آخر عليه الالتزام بوصية معاوية بن أبي سفيان، (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خلّيتها وإن خلوا مددتها)، حكم بها الشام أربعين سنة، قضى نصفها واليًا، والنصف الآخر خليفة.
لا تقتصر بيوت الزجاج على تولى وظيفة بعينها، يعمل المسئولون كافة من داخل بيوت زجاجية، وإن شئت الدقة بيوت عنكبوتية، أوهن البيوت، عادة ما يحطمها واحد من أهلها.
تولي دومنيك كامينجز في يوليو 2019 منصب كبير مستشاري رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، وغادره في ديسمبر الماضي إثر خلافات متكررة مع طاقم العمل. شخص يصعب دمجه مع الآخرين. فما أن أعطى ظهره لمقر الحكومة في 10 داوننج ستريت حتى شن هجومًا عنيفًا على جونسون مشككًا في كفاءته، ونزاهته، وفي أسلوب إدارته لأزمة فيروس كورونا، وحرب اللقاحات. لم يترك كامينجز حصاة ولا حجرًا جمعه وخبأه، وربما تستر عليه، خلال عمله الرسمي إلا ورمي به بيت رئيس الوزراء الزجاجي.   
وفي عام 2006 تولي نفتالي بينيت إدارة مكتب بنيامين نتنياهو، وقت كان زعيمًا للمعارضة، وعمل معه على صياغة برامجه الانتخابية داخل حزب الليكود، مما مكنه فيما بعد من تبوء منصب رئيس الوزراء. بعد ترك عمله مع نتنياهو تفرغ نفتالي لدعم الاستيطان الإسرائيلي وأسس حزب البيت اليهودي وحقق نتائج مكنته من تولي عدة مناصب وزارية وأخرى رسمية. مؤخرًا، وبعد أربع جولات لم ينجح فيها أحد المتنافسين في تشكيل حكومة إسرائيلية –كان نتنياهو طرفًا ثابتًا فيها- شكل نفتالي بينيت مع يائير لابيد، رئيس ومؤسس حزب (هناك أمل)، تحالفًا ضم القائمة العربية، ليصبح تشكيل حكومة ائتلافية أمرًا قريب المنال. 
من جانبه، يستميت نتنياهو في الدفاع عن بيته الزجاجي، ليس رغبة في المنصب وفقط، بل لتلافي تبعات اتهامات له ولزوجته بالفساد والرشوة وإساءة السلطة. في ندم يعض نتنياهو إصبعه على فوات فرصة استيعاب تلميذه السابق، نفتالي بينيت. تفوق التلميذ على الأستاذ، تعلم كيف يستقطب أصوات الناخبين؛ إظهار العداء الشديد للفلسطينيين، ورفض مبادرات الصلح، ونهم توسع الرقعة الاستيطانية. في الجوار، تحول البيت الفلسطيني إلى شظايا من زجاج متناثر لا تخبر بأي حال عن قرب جمعها لصنع بيت من زجاج يقطنه رجل مشتت بين جوانب العالم الأربعة، رجل يضع نصب عينيه حكمة معاوية، يقينًا أنه سيمد الخيط إلى آخر مدى، فالطرف الآخر ليس معنيًا سوى بالكلام والبارود.