تسيد الشاي لقرون طويلة قائمة مشروبات المصريين، بمتوسط استهلاك سنوي 85 ألف طن، يليه القهوة بنحو 40 ألف طن. احتل صدارة المواد التموينية، شاي مبروكة، في الستينات وأوائل السبعينات، ثم انتشرت أنواعه وطعومه مع بداية عصر الانفتاح. تفنن المصريون في إعداده، كشري؛ بصب الماء المغلي على الشاي والسكر، وميزة؛ بإضافة اللبن، وطيارة؛ وتطلق على الشاي الفتلة، وغيرها من صنوف التقديم مع النعناع أو القرنفل. 

تروى إحدى الأساطير، أن الإمبراطور الصيني شن نينج، 2737 قبل الميلاد، كان يجلس في حديقة قصره تحت إحدى الأشجار بينما خادمه يغلي بعضًا من ماء الشرب حين وقعت فيه بعض الأوراق وصنعت خليطًا مائل للحمرة، جربه الإمبراطور واستساغه واتخذه مشروبًا، ومن يومها عرف العالم الشاي.

وهناك عدة أنواع من الشاي، الأبيض، ويتم حصاد أوراقه والبراعم الصغيرة ما زالت مغطاة بوبر أبيض ناعم. والأخضر، ويصنع من نفس أوراق الشاي الأحمر والأسود، إلا أنه لا يتعرض لنفس مستوي التجفيف والأكسدة، مما يكسبه لون ليموني.

ولشرب الشاي طقوس عديدة أشهرها، اليابانية والصينية، امتزجت فيها آداب تناوله بالشعائر البوذية، حيث تُتَبع خلالها قواعد صارمة يسودها الاحترام والانسجام تساعد على التأمل والتفكير العميق، ويتولى تقديمه خبير تلقي دراسات متخصصة بأحد مدارس الشاي. وعُرف الشاي الإنجليزي منذ اعتادت آنا راسل، دوقة بيدفورد السابعة، (1783–1857)، تناول شطيرة خبز وفنجان شاي في الخامسة، (تصبيرة)، لحين تناول وجبة العشاء.

يقدم الشاي ساخنًا -في العادة- وإن فضله البعض باردًا، مضافًا إليه نكهات النباتات العطرية، أشهرها الشاي بالياسمين، الذي جعله الممثل الكبير عادل إمام مصطلحًا اجتماعيًا يشير إلى شراء الذمم وتغيير المواقف بالمال. وهناك شاي إيرل جراي، نسبة إلى إيرل تشارلز جراي، رئيس الوزراء البريطاني في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وقد خلده سكان إحدى الجزر التابعة للتاج البريطاني بإطلاق اسمه، إيرل جراي، على الشاي الأحمر المخلوط بنكهة زيت البرجموت (نبات حمضي يستخرج الزيت من قشره).

وهناك الشاي الحبر، المعروف في صعيد مصر، ويوصف بذلك لقتامة لونه، ويصعب شربه من دون سكر. والشاي المغربي الأخضر الغارق في قوالب من السكر، حتى أن المغاربة حين يطلبون كوب شاي يقولون (واحد سكر). وشاي استكانة، نسبة إلى فنجان الشاي الزجاجي بمقبض أو بدون، وكانت أفضل أنواعه من انتاج مصنع زجاج ياسين، الذى تحول بعد التأميم إلى مصنع الزجاج والبللور، وكان جزءًا رئيسيًا من "شِوار" العروسة قبل انتشار الخزف الصيني وأشهره طقم روميو وجوليت الذي تُزين قطعه الرسوم الملونة، وتستخدمه الأسر الأرستقراطية على المائدة وتحفظه الطبقة المتوسطة في "النيش" من باب الوجاهة.

ومن أجل الشاي صمم المهندس مصطفى باشا جزيرة في الإسكندرية بها كشك الشاي، ليتناول فيه الملك فاروق وابناء الأسرة المالكة مشروبهم المفضل مع قطع الجاتوه. وهناك أيضًا جزيرة الشاي بحديقة الحيوان بالجيزة وإن كانت أقل جمالاً.  

وللشاي معاني تشمل المودة وراحة البال، (ومادام معاى.. اللى بحبه وبريده.. وبنشرب شاى، ميهمنيش مهما ان قالوا..)، كتبها عبد الرحمن الأبنودي، وغنتها فايزة أحمد. وكان عنوانًا لبرنامج إذاعي ناجح (فنجان شاي)، استضافت فيه الإذاعية سامية صادق لسنوات أعلام الفن والسياسة والأدب.

وفي الحياة الأدبية، استخدم إحسان عبد القدوس الشاي الأخضر كشريك في حواراته مع شاب في كتابه (على مقهي في الشارع السياسي). وهناك كتاب (شاي بالنعناع) للدكتور أحمد خالد توفيق، ويضم مقالات خفيفة.

 والآن أدعوك عزيزي القارئ لتنهض وتعد كوب شاي بالقرنفل وتعاود قراءة المقال. 
نكمل المقال القادم