آخبار عاجل

"وصايا" عادل عصمت.. بقلم د محمد مصطفى الخياط

08 - 07 - 2021 11:07 565

كانت رواية "حكايات يوسف تادرس" أول ما قرأت للروائي المصري عادل عصمت، فاز عنها بجائزة نجيب محفوظ عام 2016، والتى تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحققت صدى طيبًا في حينها. كتب فيها كعادته عن المهمشين. أولئك الذين يتمنون ولا يصلون. يتحدثون فلا يُسمَعون. يسكنهم الخوف، وإن رحلوا بقي ظله على الأرض.
منذ ذلك الحين وأنا أتابع رواياته، وإن ظلت أول حظوظي معه في المقدمة، حتى قرأت روايته الأخيرة، "الوصايا".
عبر عشر وصايا يُمليها الجد الواقف على حافة جسر الحياة على حفيده، يستعرض الكاتب مسار عائلة سليم -بأحد أرياف مدينة طنطا- لأكثر من سبعين عامًا شهدت تحولات اجتماعية وسياسية غيرت وجه المجتمع. 
ترك الشيخ عبد الرحمن دراسته في الأزهر بعد وفاة أبيه حسرة على أرضه المرهونة لدى خواجة يوناني. تفرغ الشيخ لرعاية العائلة؛ أمه وزوجته وابنائه وأسرة أخيه المتوفي. يضمهم بيت واحد يري في وجوده الحياة والخير، وفي زواله الموت والشر.
ضاعت الأرض وباتت الأسرة ليالي طويلة بلا زاد. تحتضن جوعها وتنام أو لا تنام. أفنى الشيخ حياته في العمل؛ كاتب حسابات ومَسَّاح أراضٍ. بدقته وأمانته صار محل ثقة الجميع. يضع الخرائط أمامه، وعلى ضوء لمبة الجاز المتراقص يتأمل تفاصيلها. يتحسس خطوطها. يشعر بخشونة الأرض تحت أنامله، وجريان ترع المياه بين كفيه. يحدد بالقلم الكوبيا المواضع الفاصلة. حفظ تفاصيلها عن ظهر قلب. 
مع اجتهاده جرى المال بين يديه، اشترى عدة قراريط في أول الأمر ثم سرعان ما تمددت في الاتجاهات الأربعة. ذاقت الأسرة طعم النعمة، وصانتها. لا فرق بين أبنائه وأبناء إخوته؛ علي سليم ابن أخيه ذراعه الأيمن في إدارة الأرض، وزوجته كاتمة أسراره وصندوق خزانته، في حين تولت زوجة الشيخ إدارة المنزل. 
وكعهدها الأيام، لا تترك شيئًا على حاله. اجتاحت الدودة الأرض وثار الشيخ على ابن أخيه فتصدعت العلاقة بينهما. باعد علي بين فترات مروره على الأرض وانشغل رأسه بتقسيم الأرض، ورغم أنه لم يستطع مواجهة عمه، إلا أنه فهم مراده. 
تدهورت صحة علي سليم وتزامن رحيله مع أحداث نكسة 1967. أتت الدودة على محصول قطن القرية، (هل المبيدات مغشوشة أم أن لعنة حلت على القرية)، تساءل الشيخ. كتم أحزانه على فراق ابن أخيه، سنده في الدنيا. وأحزانه على أرضه، وأحزانه على فراق أولاده بيت العيلة وتفرقهم في أنحاء المحروسة. وأخيرًا، أحزان حبه القديم للست كوثر وانشغاله عنها بعد وفاة زوجها، حتى تقدم صديقه وتزوجها. 
وقف الشيخ وسط الأنفار يرعى أرضه التي نماها شبرًا شبرًا، أرضه التي ما إن ينظر إليها حتى يري وجه أبيه ويشم رائحة أمه. بينما راحت زوجته خديجة تراقب الجميع، الشروخ النفسية التي ظهرت في أول الأمر تنميلاً خفيفًا بين أفراد العائلة، تقادم حيطان البيت، تَحَوُل قلقها من أن يسكن البيت "اللي ما يتسموا"، في إشارة لكل ما هو مكروه، إلى نبوءة بتشتت العائلة ارتفعت معها وطأة آلامها النفسية.
الوحيدة التي ظلت إلى جواره، كانت ابنته فاطمة، عامود البيت، ملاذ الجميع حين تحل النوائب، الأقرب إلى أبيها في طباع الصبر والجلد والحفاظ على ترابط الأسرة، في إشارة لدور المرأة في اتصال سلسال الحياة والارتباط بالأرض ورفضها تحول رمز الأسرة – بيت العائلة- إلى ذكرى أو أن يسكنه من ليسوا أهلاً له.
رحلة طويلة استغرقت سبعين عامًا رسمها لنا عادل صمت بحرفية راعت الأبعاد الاجتماعية والسياسية في مصر تغرينا بترقب إصدار جزء ثان للرواية.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved