وقعت ثلاث مفارقات خلال الأسبوع الماضي كانت الكورونا العامل المشترك بينها؛ الأولي صاحبها ضيف من الدنمارك، والثانية من لبنان، وحملت شاشات التلفاز ومنصات الإعلام الثالثة من الهند.
(كانت أيامًا صعبة.. امتلأت فيها المستشفيات بالمصابين.. واجهنا نقصًا حادًا في أجهزة التنفس الصناعي وبلغت الوفيات أعلى معدلاتها.. استغرق الأمر وقتًا حتى نستعيد توازننا)، قال الضيف مسترجعًا حال الدنمارك بدايات جائحة كورونا أوائل العام الماضي.
فترة حرجة، أصعب ما فيها غياب بروتوكول محدد الخطوات لمواجهة الفيروس. كان الارتجال وتصحيح المسارات منهج التعامل مع فيروس غامض. بحسب النتائج تتحدد الخطوات التالية. ساهم تداول الدروس المستفادة بين بلدان العالم في خفض مستوي الارتباك، وإن ظل ملحوظًا في بعضها.
تناول الضيف رشفة من فنجان قهوته وأردف مستكملاً حديثه وقد وشت ملامحه بالرضا (الأمور طيبة الآن.. أكثر من 70% من المقيمين في الدنمارك تلقوا التطعيم.. إذ لا يسمح باستخدام المواصلات العامة لمن أجرى اختبار كورونا منذ أكثر من 72 ساعة، وكذلك يشترط كثير من المحلات).
نظرت نحوه مندهشًا، فقرار كهذا يعني أن غالبية المواطنين سوف يكررون الاختبار خلال أيام، وهو أمر يحتاج إلى نشر مراكز التحليل في كل بقعة، مع بنية معلوماتية قوية قادرة على استيعاب وفرز وتحليل قدر هائل من البيانات يوفر إحصاءات دقيقة على مدار الساعة تمكن متخذ القرار من استهداف مواطن الضعف وتطوير استراتيجياته. لو تخيلنا أن 20% فقط من المقيمين يجرون الاختبار كل ثلاثة أيام، فهذا يعني اختبار مليون شخص كل أسبوع، ومن ثم كافة الدانماركيين في خمسة أسابيع.
أكد الضيف انتشار مراكز الاختبار في كافة الشوارع، إما سيارات مجهزة، أو أكشاك سريعة الفك والتركيب، متاحة مجانًا للجميع. لا عليك سوى الوقوف في الصف فإذا حل دورك أمليت رقم هاتفك لموظف الصحة، فتظهر كافة بياناتك على شاشة الحاسب، تُسلم بعدها أنفك للممرضة ثم تنصرف، فلا تمر نصف ساعة إلا وتتسلم نتيجة التحليل على هاتفك، لتصبح جواز مرور تعرضه على سائق الباص أو موظف السوبر ماركت.
رحل الضيف وترك في النفس أشياء وأشياء زاد وطأتها ما روته سيدة لبنانية، بدت مثقلة بأحزانها، ريثما جلست زفرت ببطء، وراحت تحكي علها تتخفف من أثقالها (تغير لبنان.. لم يعد لبنان الذى تعرف.. يكفي أن أخبرك أن دولار واحد يعادل أكثر من ثمانية عشر ألف ليرة، بعد أن كان بألف وخمسمائة فقط. صرنا نشترى الخبز بالرغيف بدلاً من الربطة، وأصبح السولار بضاعة نادرة)، صمتت لبرهة ثم استرسلت متهكمة (تراجع الانشغال بفيروس كورونا خلف أولويات الحياة.. بل ربما كانت الإصابة به راحة لكثيرين!!).
قصت مشاهد مأساوية عديدة؛ كان أكثرها قسوة رحيل استاذها الجامعي خارج لبنان وافتتاح محل لبيع المناقيش والمخبوزات بعد ما عجز عن إيجاد عمل مناسب. تأسفت على بلد كان زينة البلدان في أناقة الحياة، بينما انشغل سياسيوه بخمر السياسة المقيت.
أما ثالث المفارقات، فكانت ما تواتر على شاشات الأخبار من اكتشاف المسئولين بالهند تلقي ملايين المواطنين جرعات ماء مملح على أنها جرعات للتطعيم ضد فيروس كورونا. فضيحة كبرى أطاح على إثرها رئيس الوزراء -ناريندرا مودى- باثنتي عشر وزيرًا، بينما عدادات المتوفين جراء الجائحة تتوالي أرقامها من حساب الفقراء البائسين.
ثلاثة بلدان اختارت كل منها منهجًا مختلفًا تجاه فيروس كورونا. لكل تجربة دلالاتها العميقة، وخلف كل منها تكمن ثقافات تأصلت عبر عقود طويلة. لا يكمن التحدي في طبيعة الأزمة، بل في منهج مواجهتها.