يقال إن ما يفرق الإنسان عن الحيوان هو العقل .. وحتى هذا الفرق ليس دقيق لأن بعض الحيوانات تتمتع بنصيب ضئيل من الذكاء.. وإن ارتفع عند بعض أنواع الحيوانات و لكن ما حكمة الله في وجود هذه الأنواع من الكائنات ؟ و ما هو الغرض من وجودها ؟ و كيف يدلنا الحيوان على حتمية وجود الله سبحانه وتعالى خالق الكون و ما فيه ؟
إن الحقيقة التي توصل إليها العلم تقرر إن أصناف الحيوانات بمختلف أنواعها قامت لتحقق هدفا ً أساسيا ً في الوجود .. وهو استمرار عجلة الحياة فمن الحيوانات أصناف اختصت بتغذية الإنسان وغيرها يحصل منها على لباسه .. وأخرى يستخرج منها مواد الصناعة وأصناف اختصت بالعمل له .. وغيرها يستخدمها الإنسان في تنقله ونقل متاعه حتى الحشرات والديدان لها فائدة ..وهي تهوية التربة و تعد عامل من عوامل خصوبة الأرض .
شجرة السدر الأحمر مثلا ً لا تجود إلا في الأرض التي يوجد بها صنف من الدود يسمى خرطوم الأرض .. لماذا ؟ يقوم هذا النوع من الديدان بالتهام ورق هذه الأشجار التي توجد بها نسبة عالية من الكالسيوم و عند هضمها يعود هذا العنصر إلى الأرض .. فيتغذى منه النبات و يقوى من جديد .
* ولكن هل في كل الحالات تكون هذه الديدان مفيدة بالنسبة للنبات ؟
- كلا .. فهي عندما تصل إلى حد معين تصبح خطرة على النبات .. وهنا تبرز الدقة في تخطيط الأمور والتي لابد أن تدلنا على مقدرة إلهية خلفها تخطيط وتدبير بحكمة وتقدير دقيق.
* إذاً كيف تتدخل القدرة الإلهية لكي تحفظ توازن الحياة ؟
- لابد أن يوجد كائنا ً آخر يقضي على هذا التزايد الخطر .. هنا يبرز طائر أبو قردان لينقض على هذه الديدان ويتغذى عليها ..ولكن عندما يزداد التهامه لهذه الأنواع من الحشرات يختل التوازن من جديد لذلك ..فالحكومة في أي دولة لا تسمح إلا بالعدد الذي يحقق الغرض من وجوده وهكذا الحال في كل أصناف المملكة الحيوانية .
ولقد أحتار العلماء من تصرفات الحيوانات قال بعضهم إنها تتم بإلهام وآخرين قالوا إنها الغريزة .. إلا أنهم اتفقوا جميعا ًعلى إنها تسبب الحيرة وتبعث على الدهشة ولكن ما يدهشنا حقا ًما هو أكثر من الغريزة فهذه الأمور المعقدة التي تحدث للحيوان ولا دخل له فيها .. إنما هي تبرز عظمة خلق الله للكائنات و يتجلى من خلالها بعض دلائل وجوده سبحانه و تعالى .
* وإلا فمن الذي يدفع هذه الحيوانات لكي تحدث هذه التغيرات حسب الظروف التي تواجهها ؟
- لننظر إلى حيوان الأيل مثلا ًولنر ما يطرأ عليه من تغيير في فترات معينة من العام كلها غريبة ومحيرة .. لنتمعن في قرونه العجيبة الصلبة القوية المتشعبة إلى درجة غريبة فهي سلاحه الوحيد إذ يدافع بها عن نفسه عندما يخرج من عزلته في شهور الخريف والشتاء وهو موسم الزواج للبحث عن أنثى .. فإذا ما انتهى موسم الزواج ورحلت الأنثى عاد الأيل إلى الاعتكاف في مكانه المنعزل قرب المرعى .
* عندئذ ماذا يحدث له ؟
- تتكون حلقة من العظام عند مكان اتصال القرون بالرأس وتضيق قليلا ً قليلا ً إلى أن تؤدي إلى تقصف القرون وإسقاطها تماماً .. إذ إنه لا يحتاج إليها في عزلته وفي الربيع تعود إلى النمو من جديد في نفس المكان .
فكيف تتكون هذه القرون ؟ وكيف تتقصف ؟ أليس في ذلك دليل على وجود مدبر حكيم ؟ يحدد في كل عام موعدا ً لنمو هذه القرون ويحدد لها موعدا ً لتتقصف فيه والغريب في الأمر.. إن وزن هذه القرون يزيد عن وزن الهيكل العظمى للحيوان كله.
وتزداد دهشتنا ويقوى إيماننا بحتمية وجود الله عندما نتطرق إلى ذكاء النمل هذا المخلوق ما أضعفه وما أضأل حجمه و ما أدق نظام حياته تنظيما ً و ما أشد ذكاءه في مواجهته لأعدائه .. إذ يقوم النمل بإطلاق غازات خانقة عندما يهزم من قبل أعدائه لكي يمنعهم من الدخول إلى مساكنه .. إذاً فهناك قوة غيبية تدفع النمل إلى أن يفكر متى يطلق هذه الغازات وفى أي مكان ؟ وإلا لماذا لا يطلقها عند أي هجوم ويقتصر ذلك عندما تقترب الهزيمة؟
والأسماك تقوم بنفس التصرف الذي يقوم به النمل في مواجهته لأعدائه ..إذ تقوم بإفراز مواد لا لون لها إذا خرجت إلى الماء كونت سائلا ً أسودا ً كثيفا ً ليخفيها عن عيون مهاجميها .
وتلك الأنواع من الديدان التي إذا ما انقسمت إلى قسمين .. كون كل قسم دودة مستقلة وإذا ما قطع رأسها تكون بدلاً منه رأساً آخر .
وما يدهشنا أكثر هو خيار البر الذي إذا ما طارده عدو قبض على عضلاته ومزق بعض أحشائه ولفظها خارج جسمه فيسرع عدوه إلى التهامها ويلجأ هو إلى الفرار وما تلبث أن تعود هذه الأحشاء الممزقة إلى النمو من جديد وتعود كما كانت من قبل.
وماذا عن الثعبان هذا المخلوق الغريب البديع التكوين فهو جسد بلا يدين ولا قدمين صامت أشد ما يكون عليه الصمت شديد الملاسة .. تصل أنواعه إلى 23 نوعا ً وفي عملية التهامه للفريسة فهو لا يمزقها وإنما يبتلعها بلعا ً .. حتى لو كانت أكبر حجما ً من بلعومه بكثير.. وهنا تكمن الغرابة وتظهر عظمة الخلق لله سبحانه وتعالى.
فالليونة والمرونة الشديدة تظهر في خلق هذا الحلق و وجود الفك الأسفل على صورة قطعتين لا قطعة واحدة تتباعدان لتخليا له الطريق لابتلاع الفريسة .. وهنا لابد لنا أن نتساءل كيف يتنفس الثعبان وقد امتلأ حلقه هكذا بالضحية .. وتبرز هنا بجلاء القوة المدبرة العاقلة التي لم يفتها أن تتخذ لهذا الحال عدته .. حيث جعلت الثعبان يدفع قصبته الهوائية إلى خارج فمه بين ليكون بين جزئي فكه الأسفل.. ليتمكن من التنفس في الهواء مهما امتد أمد البلع وطال .. والثعبان لا يتذوق فقط بلسانه وإنما هو يشم أيضا ً .
وإذا نظرنا إلى العنكبوت سنجد إنه يجيد أدق غزل وأرق نسيج بين المخلوقات و حتى في عالم العناكب .. هناك تخصصات فالأنثى تقوم بغزل بيتها وبنائه خطوة بعد خطوة بفن هندسي لا شك فيه .. ومما يثير الإعجاب بها ويدعونا إلى التعمق في التفكير لندرك عظمة القوة الخالقة .. هو إنها تتأنى عند البناء ولا ترمي بخيوط البيت اعتباطا ًوإنما تبدأ أولا ً بما هو أضمن لثباته و أعون لاتزانه وهي قبل أن تنتهي من إقامة الهيكل تشد خيوطه لتختبر قوته .. فإن وجدته ضعيفاً زادته من جسمها قوة ..ومن العلماء من يسمى ذلك غريزة وإذا كان هذا العقل والحيلة والتبصر والتحوط الذي تحويه هذه الغريزة لو سلمنا بأنها غريزة .. فمن خلقها؟ من دبرها؟ ثم كم من الخلائق من صنوف وكم لهذه الأصناف من غرائز ؟ وما أشد تشابهها في التدبير .. ألا يوحى لنا بأن التدبير واحد ؟ إذا ً فالمدبر واحد و هو الله سبحانه و تعالى .
كم وكم ينقب لنا العلم من عجائب الطبيعة التي تشدنا شداً إلى التمعن في غرابتها ودقتها وعظمة صنعها التي لابد من قوة جليلة تقف وراء خلقها وتدبر أمرها ؟
والنحل في مملكته العجيبة المنظمة أشد تنظيم يعيش في مجتمع ديمقراطي عجيب على رأسه ملكة تملك و تطاع .. ومع ذلك فهي لا تحكم ولا تأمر وذلك بسبب الديمقراطية في حكومة النحل إذ للنحل حكومة ديمقراطية بأصدق معانيها .
والأفراد في مملكة النحل متعاونون متآخون ليس هناك مجتمع أفضل منه سوى مجتمع النمل .. وتتجلى دقة الله وعظمته في خلق النحلة إذ تقوم الدودة بصنع خيوط كأنها الحرير دقة وملاسة .. و تلفها حول نفسها لفا ً فإذا بالدودة حبيسة ذلك الثوب الحريري الذي نسميه شرنقة وفى هذه الشرنقة يحدث أعجب الخلق إذ تتطور هذه الدودة فتثقب الشرنقة لتخرج منها في آخر الأمر نحلة كاملة .
ألا يدلنا ذلك على أن هناك أنامل خالقة هي التي أوجدت هذه المعجزة ألا وهي أنامل الله .. هذه الأنامل التي يراها العلماء كلما تمعنوا في خلق الكائنات والفضاء الكوني ودفعوا في سبيل ذلك سنوات طويلة من العمل والبحث والتفكير وهذا هو الإيمان في أعلى درجات الرقي التي يستطيع أن يصل إليها الإنسان بقدر ما حصل عليه من العلم ويهبط منها درجات بقدر ما جهل .
وأخيراً.. لا آخرا ً هذا قليل جدا ً من كثير جدا ً كثرة لا حصر لها كلها بلغت حدا ً لا يصل إليه وصف من الإتقان والدقة والحكمة .. فهل من المعقول أن يكون ذلك كله نتيجة للصدفة العشوائية ؟ إن أي عاقل يفكر بمنطق لا يمكن أن يرجع ذلك كله للصدفة فمن طبيعة الصدفة أن تخطيء كثيرا ً وتصيب نادرا ً .. ولكن لا توجد حكمة ولا دقة في تدبيرها العشوائي و إلا ما لقبت بالعشوائية .. وما نراه في هذا العالم بإدراكنا الحسي والمعنوي ..سواء إن كان أصناف الكائنات الحية أو الفضاء الكوني كله دقة وعظمة أبلغ ما تكون عليه العظمة وحكمة تصل إلى الحكمة الشاملة الشاسعة .. وكل ذلك يقودنا حتما ً إلى وجود إله جمع دقة الصنع إلى جانب تمام التدبير وكمال الإتقان وحكمة الخلق .
وهو الله سبحانه وتعالى الحقيقة الكبرى الساطعة كالشمس للعقول المؤمنة المفكرة
ولنا لقاء في العدد القادم لنتحدث عن الروح هذا اللغز المحير الأثيري في تكوينه العجيب في خلقه فيا ترى ما هو التعريف الصحيح للروح ؟ وماذا يطرأ عليها من تغير عند مغادرتها الجسد ؟ بل من أين أتت وإلى أين تذهب ؟ وهل تفكر وتشعر بعد مغادرتها الجسد ؟ كل هذه الأسئلة سنجيب عليها في الحلقة القادمة بإذن الله.