عندما نموت لن يكون موتنا عدماً ولن تكون النهاية .. بل هي بداية انطلاق للروح في دروب ومنعطفات عالم آخر .. إلى متى .. لسنا ندرى.. ضوء ضعيف يتسرب إلينا من كتب الأديان السماوية وما يصاحبها من أحاديث للأنبياء .. يرسم لنا صورة لهذا العالم الغامض .. وخلاصة ما تذكر إن الروح تحيا في هذا العالم السماوي.. إلى يوم البعث فمن عمل صالحاً عاش مطمئناً سعيداً إلى يوم الحساب والجزاء .. ومن ارتكب المعاصي .. ظلت روحه قلقة وجلة خائفة تترقب ذلك اليوم ولا من سبيل إلى الاستغفار لنيل التوبة والدخول فى عداد الأرواح الصالحة الخيرة .. عذاب وقلق نفسي تعيش في خضمه الروح إلى يوم القيامة .. والعذاب النفسي اليائس يعد من أقسى أنواع العذاب خاصة إذا كان يتعلق بأمر عذاب محتم ولا سبيل إلى اجتنابه .. أما العلم فهو يتحدث عن إمكانية وجود عالم أخر تسير في إنحائه الروح بجسمها الأثيري .. ما هو هذا العالم ؟ ما هي القوانين التي تحكمه ؟ ما هي السموات السبع التي تذكرها الأديان السماوية ؟ وما علاقتها بتقسيم درجات الأرواح ؟ بل لماذا لا نرى الأرواح التي تعيش في العالم الأخر ؟
ويسير العلم والدين .. العلم في حيرته وضياعه بحثاً عن المجهول الغامض المصيري .. والدين في غموضه .. تشع ومضاته الضئيلة لتطمئن بها القلوب .. ويؤكد الجانب العلمي وجود الروح ممثلاً في قول السير اوليفر لودج مدير جامعة برمنجهام في إنجلترا ورئيس مجمع العلوم البريطاني " إن الحياة والعقل بحاجة إلى أداة يظهران بها .. ولا مانع أن تكون هذه الأداة الأثير بدل المادة .. وإن كنا لا نستطيع إدراكهما بحواسنا الدنيوية .. إلا إن إمكانية الاتصال بهؤلاء متوفر لدى بعض الأشخاص .. الذين يتلقون عنهم الرسائل والأنباء "
ويأتي هانن سوفر أحد كبار عمالقة الصحافة البريطانية الذي عرف عنه إنه صعب الإقناع ولا يقبل أمراً إلا إذا أشبعه فحصاً وتمحيصاً .. فيزود العلم الروحي بمؤلفاته وأبحاثه التي تعتبر ركناً هاما في هذا المجال فيتحدث عن إمكانية وجود العالم الآخر .. قائلاً :
" لقد ثبت لي بصورة قاطعة وبعد تجارب مرهقة وطويلة إن الحياة لا تنتهي عند القبر .. وهذه الحياة بكل ما تحويه من مصاعب ما هي إلا روضة أطفال تهيئنا لمهمة أكثر روعة واكتمالا ً في عالم أخر ."
ويقدم التنويم المغناطيسي الدليل على إن هناك روحاً منفصلة عن الجسد .. بإخضاع روح شخص لروح شخص أقوى منه.. فيدرك النائم الخاضع ويسمع ويرى أمورا ً لا يستطيعها وهو في وعيه وحضوره .. وشفاء الكثير من الأمراض العضوية بالعلاج الروحي ألا يدلنا ذلك على إن لدى الإنسان روحا ً بحاجة إلى اطمئنان يوفره لها العلاج الروحي الذي يعد من أهم مستلزماته الصلاة وفيها يتركز شفاء الإنسان من الكثير من الأمراض العضوية مثل السرطان والجروح القائمة إلى جانب الأمراض النفسية على حد قول الكسيس كارليل الحائز على جائزة نوبل في الطب والجراحة الذي يؤكد إن الشفاء بالعلاج الروحي أسرع منه بالعلاج الطبيعي مما يفسر لنا أهمية المناشط الروحية.. الجانب الذي يهمله الكثير من الأطباء والمربين الاجتماعين مع كونه انفتاحا ً على دنيا جديدة ..
ونكتفي بهذا القول من أقوال العلماء لضيق المكان لنستنتج من ذلك علمياً إن هناك روحا ً منفصلة بحكم جوهرها وطبيعتها عن الجسد .. وإنها من معدن أرقى وأكثر آصالة منه .. وعندما يصبح وجودها غير لازم للجسد تغادره لتنطلق بذاتها إلى عالم آخر تحكمه قوانين تختلف عن القوانين التي تحكم العالم الأرضي ..
ويذكر الله سبحانه وتعالى الفرق حجماً ومعنى بين الدنيا والآخرة في آياته الشريفة في سورة العنكبوت ألأيه 64 .. " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ".
إذاً عندما نؤمن بحقيقة وجود جسمين للإنسان.. الأول ترابي محسوس وهو الجسد .. والثاني برزخي أثيري وهو النفس والروح معاً .. يكون حتمياً أن نؤمن بوجود عالمين الأول مادي منظور والثاني أثيري غير منظور بحواسنا الأرضية الخاضعة للقوانين الطبيعية المختلفة عن القوانين الطبيعية التي تخضع لها كائنات العالم الآخر
.. ما هي هذه القوانين ؟ بل ما هو القانون الأساسي الذي يقوم عليه أساس الاختلاف بين العالمين والذي يحكم علينا أن لا نرى العالم الآخر؟
إنه قانون درجة الاهتزاز أو الذبذبة .. فالجسد الأرضي يسير على قانون درجة اهتزاز يختلف عن قانون درجة الذبذبة التي يسير عليها الجسد الأثيري في العالم الآخر .
وهنا لابد أن يتسرب التساؤل إلى ذهن القارئ عن ما هو وجه الاختلاف ؟ وما علاقته بعدم رؤية الأرواح في عالمها الآخر ؟
بينما تستطيع الأرواح رؤية العالم الأرضي لقول رسول الله الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام عندما نادى قتلى قليب أثناء مروره بهم .
" يا أهل القليب .. يا عتبه بن ربيعة .. يا شيبة بن ربيعة .. يا أمية بن خلف .. يا أبا جهل بن هشام .. هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً .. فأنى وجدت ما وعدني ربى حقاً "
ويقول المسلمون لنبيهم :
" يا رسول الله أتنادى قوماً جيفاُ"
فيقول عليه السلام
"ما أنتم بأسمع لما أقول منهم "
وكل ذلك يعود إلى سرعة درجة الاهتزاز والذبذبة وتفسير ذلك .. أن كل مادة في الكون تتكون من ذرات تتحرك في شكل دائري تحكمها درجة اهتزاز معينة .. فذرات الكرة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 40 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة وهى سرعة لا يمكن للعقل البشرى أن يتصورها لذلك يبدو كل شيء ساكنا ً أما ذرات العالم الآخر فهي أسرع دوران.. وبذلك تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالم المادة فلا تستطيع عيوننا الأرضية رؤية العالم الآخر .. وكل مادة غير مرئية تفوق سرعة دوران ذراتها سرعة دوران ذرات الأشياء المنظورة كالموجات اللاسلكية والذرة ...
ويقول علم الميكانيكا .. أنه إذا كان المستوى الاهتزازي لأجساد يختلف عن المستوى الاهتزازي لأجساد أخرى .. كان من الممكن تداخلها إلا إذا تساوت .. عندئذ يستحيل عليها ذلك .. مثل هذا جسد الإنسان الحي الترابي وجسده الأثيري بعد أن يغادر الجسد لحظة الموت فالجسد الأثيري يستطيع أن يشغل مع جسد مادي آخر مكانا ً واحدا ً .
ويتبين لنا مدلول ذلك من قوله تعالى في سورة الرعد الآيه 2 .
" الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها " وهذا دليل على أن الأساس الذي يقوم عليه بناء السماء يختلف عن الأساس الذي يقوم عليه بناء العمارة أي القاعدة الهندسية الدنيوية ..
ويذكر الله سبحانه وتعالى حقيقة وجود أشياء منظورة وأخرى غير منظورة في سورة الحاقه الآيه 38 ، 39.
" فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون " وقوله سبحانه وتعالى في سورة الواقعة الآيات 83 ، 84 ،85 .
" فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "
إذاً باستطاعة الأرواح أن تنظر إلى بعضها البعض عندما تكون في نفس درجة اهتزازها أو أبطأ منها ..أما الأرواح التي تسير على درجة اهتزاز أسرع منها فهي لا تتمكن من رؤيتها .. ومن هنا أتى تفضيل أرواح على أرواح في درجة النقاء والطهارة بأن يجعلها الله في العالم الآخر تسير على درجة اهتزاز أو ذبذبة أسرع ممن هم اقل منها اتصافا ً .. بهذه الصفات الطيبة .. ومن هنا أيضا ً يأتي تقسيم السموات إلى سبع سموات ذات مستويات اهتزازية أثيرية مختلفة .. كلما رجحت كفة الخير أكثر لدى شخص عن كفة الشر استحق سماء أعلي في مستوى اهتزازها عن مستوى اهتزاز السماء السابقة إلى أن يصل به مستوى أعماله الخيرة إلى مستوى السماء السابعة التي هي مستقر الأنبياء والقديسين وكل من قضى سنين حياته في عمل الخير والدعوة إليه .. وعندما يأتي ذكر السموات السبع في الأديان السماوية ليس معنى ذلك إن هناك سماء فوق سماء وإنما من الممكن أن تكون كلها في مكان واحد ولكن لكل منها ذبذبة معينة .. فتتداخل الموجات الاهتزازية دون أن يختلط أي منها بالأخر ..
" أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها" : توجيه أخر من الله للعقول أن تنظر إلى السماء وكيف بناها الله بهذا الشكل الإعجازي المذهـل .. ويكمن في قوله سبحانـه وتعالى " وأوحى في كل سماء أمرها " إشــارة صريحة إلى المستويات الاهتزازية السبعة وإلى إن لكل سماء مستوى اهتزازيا ً معينا ً يختلف عن غيره من السموات السبع ..
والمستوى الاهتزازي العام لكل سماء يشتمل على مستويات أخرى موحدة الدرجة، وكل من هذه المستوي مقسم أيضاً إلى مستويات فرعية وهكذا إلى ما لانهاية .. وترجع حكمة هذا التقسيم إلى إن الإنسان عند انتقاله إلى العالم الآخر سيجد المستوى المترنم مع درجته الاهتزازية بالضبط .. وكل روح تختلف عن غيرها في المستوى الاهتزازي حسب أعمال صاحبها في الدنيا والمدى الذي وصل إليه في تحقيقه للتوجيهات الإلهية .. فكلما كان عمله متطابقاً مع هذه التوجيهات كان حصيلة ذلك ارتفاعا ً في المستوى الاهتزازي الذي يستحقه .
وعلى أساس ذلك فإن مجموعة الأرواح التي كان أصحابها في مستوى واحد من الأعمال تتلاقى معاً في مستواها المترنم مع درجتها الاهتزازية في العالم الآخر..
ويدل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات الآيه 7 .
" والسماء ذات الحبك " أي ذات الطرق الكثيرة.. وهى ما يقصد بها علمياً المستويات الاهتزازية الفرعية المنبثقة عن المستوى الاهتزازي العام لكل سماء .
ويأتي قول الله سبحانه وتعالى " يا معشر الجن والأنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا ، لا تنفذون إلا بسلطان "
دليل أخر على التعدد في المستويات الاهتزازية في السموات السبع واستحالة نفاذ أصحاب كل مستوى إلى المستوى الأخر إلا بقانون التساوي والترنم مع المستوى الاهتزازي الجديد ..
وهذا ما يفسر لنا استحالة صعود الرسول الكريم إلى السماوات السبع بجسده الأرضي الخاضع للقوانين الأرضية مما يؤكد لنا إن الرسول الكريم قد سار في رحلته الخالدة بروحه فقط أي بجسمه الأثيري الذي ينطبق عليه قانون درجة الاهتزاز الخاضع له العالم الآخر..
ويشير إلى عدم إمكانية انتقال أي روح من سمائها إلى مستوى سماوي آخر أعلي منه .. هو توقف جبريل عليه السلام في رحلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى مكان مقام الله سبحانه وتعالى وموقعه أثيريا ً فوق السماء السابعة .. واعتذاره للرسول الكريم عن مصاحبته لعدم تمكنه من ذلك مما يفسر لنا مستواه الاهتزازي الذي لا يستطيع أن يتعداه إلى مستوى اهتزازي أعلي منه ..
وهناك آيات كثيرة تشير إلى وجود هذه المستويات الاهتزازية منها قوله سبحانه وتعالى " فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق، والقمر إذا أتسق لتركبن طبقاً عن طبق " أما قوله سبحانه وتعالى " لتركبن طبقا ً عن طبق " فهو إشارة إلى المستويات الاهتزازية المختلفة للسماوات التي ينتقل خلالها الإنسان إلى العالم الآخر حسب عمله في الدنيا ويكمن في قول الرسول الكريم دليل ديني على وجود هذه المستويات " الأرواح مجندة ما تعارف منها أتلف وما تناكرمنها اختلف " والتعارف الذي ينتج عن الائتلاف إشارة إلى المستوى الاهتزازي الموحد والتناكر إشارة إلى المستوى الاهتزازي المغاير . ويفسر لنا هذا القانون عدم شعورنا بمكان العالم الآخر المتداخل معنا في نفس المكان من عالم المادة ...
ويتجلى لنا هذا الاختلاف في المستوى الاهتزازي الأرضي في قوله سبحانه وتعالى " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" ..
ويشير قول الله تعالى في سورة الأعراف " إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء " إشارة إلى عدم فتح أبواب السماء للأرواح التي تكذب بآيات الله وتستكبر عنها ..
ومعنى ذلك علمياً إن الله لن ييسر الترقي الروحي من درجة اهتزازية أدنى إلى درجة اهتزازية أعلى بالنسبة لهذه الأرواح ..
وينبغي قبل أن نختم الحديث في هذا الموضوع أن نذكر الأثير لما له من علاقة هامة بموضوع الروح .. وإلا لما لقبت الجسم الذي يتضمن الروح بالجسم الأثيري ..
ما هو الأثــير ؟
الأثير هو مادة الكون الأساسية .. ( وقد أيد ذلك أينشتاين ) .. وهى التي تملا الفراغ الكوني كله ولكننا لا نستطيع أن ندرك مداها لأننا لا نستطيع أن ندرك مدى الفضاء ولكن من المعروف إن الموجات الأثيرية تتردد خلال الفضاء بسرعة 186 ألف ميل في الثانية أي 300 ألف كيلو متر في الثانية .. وهى السرعــة التي تسيـــر بها الروح في العالم الآخر لكونها جسماً أثيرياً .. ونحن لا نرى الأثير ولكن نستنتج وجوده بواسطة عمليات رياضية وفيزيائية .. وهو ما تسير فيه الحرارة والضوء والكهرباء بسرعة معينة ثابتة ..
ويعتقد مستر"أرثر فندلاى" بأن المادة الفيزيقية هي أثيرية في حالة اهتزاز محددة تتموج في دائرة معينة .. إذاً الأثير هو الواصل بين عالم المادة وعالم الروح لأنهما داخل نطاقه حيث إنه يملأ أي فراغ في الكون كله ويؤدى كل منهما وظائفه حسب قوانين اهتزازية خاصة به ..
وأخيراً يزاح الستار عن القليل من الغموض ويظل الكثير عائماً في أغوار المجهول ليمثل علماً قريباً منا بعيداً عن إدراكنا محجوباً عن أنظارنا وسمعنا .
ألا يتجلى في هذا الخلق الإعجازي وفى هذا الكائن المسير للجسد الأثيري الخالد أشد الغموض .. حتمية وجود خالق مبدع ومتقن أشد ما يكون عليه الإبداع والإتقان وهذا قليل من صفات كاملة كثيرة مصدرها الأول الله سبحانه وتعالى خالق الكون وما فيه .. إن جسد كل كائن حي والروح تحركه تفكيراً وإحساساً وانفعالا يكمن فيه التنظيم كله.. والدقة كلها.. والذكاء كله .. فكيف إذا تصورنا إن هناك بلايين البلايين من هذه الأجسام .. غيرها رحل وغيرها آت تتحرك بواسطة هذا المحرك الذي هو بدوره يتحرك بيد محركه الأول .. أليست الروح امرأ محيراً وغامضاً وتمثل حقيقة تسير في سلسلة من الحلقات قوامها الحياة ومعدنها الخلود.. لا نعلم عنها إلا القليل .. يعلم أمرها الله خالقها.. ومبدعها.. ومنظمها.. ومحركها منذ الأزل وإلى الأبد ..
فهل من المعقول بعد كل ذلك أن نؤمن بالصدفة وننسب إليها خلق هذا الكون الهائل في التنظيم والتعقيد والإبداع .. ألا يدفعنا التفكير السليم المحايد إلى الأيمان بالحقيقة الكبرى بالله سبحانه وتعالى ..
وبعد .. كثيراً ما يلح على أذهان الناس سؤال نابع من وجودهم بل من ذاتهم .. وهو ..
ما الهدف الحقيقي من وجود الحياة على وجه الأرض؟
للإجابة على هذا السؤال سيكون لنا مقال آخر