قرأت رواية "رحلة الدم "ورواية "حروب الرحماء "للكاتب المبدع إبراهيم عيسى الذي بذل مجهودا كبيرا في كتابة هاتين الروايتين مستنداً على تاريخ الأحداث والمخطوطات التاريخية الإسلامية .
وكانت الروايتان مصاغتين في تسلسل تاريخي وقصصي بشكل مشوق ..مما يدل على جهد كبير بذله ذلك الكاتب في كتابة هذه الاحداث .. التي وقعت خلال الفترة منذ وفاة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين إلى نهاية خلافة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي مات مقتولاً علي يد عبدالرحمن بن ملجم.. أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المرتلين للقرآن الكريم وهو أحد الخوارج في تلك الفترة التاريخية.
لقد صدمت كثيراً وأنا أقرأ هاتين الروايتين ببعض هؤلاء الصحابة الذين يرتلون القرآن ليل نهار دون أن يقموا بقراء ة تفسير القرآن.. وإلا كيف تجرأ هذا الصحابي المرتل للقرآن الكريم أن يقتل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..هذا الشخص الكريم الذي كان قمة في النقاء الخلقي والزهد المادي وفي محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..الذي تربي على يديه الكريمتين وكان أول الشباب الداخلين إلى الدين الإسلامي وزوج ابنته فاطمة أحب خلق الله إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم.. وكيف يجرأ عدد من الصحابة علي قتل عثما ن بن عفان وكلنا نعلم كم كان سخياً في عطائه المادي نظراً لثرائه في نشر الدعوة الإسلامية وقد تزوج ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن توفت تزوج ابنته الثانية.. وكان من أوائل الأشخاص الذين دخلوا في الإسلام .. إن ما حدث للخليفة الثالث عثمان بن عفان لم يكن قتلا عادياً وإنما كان قتلاً بشعاً عندما هجم عليه في بيته عدد من الصحابة بسبب نقمتهم عليه مراضاته لبني أميه الذي كان يعد واحد منهم وقام بمنحهم الأموال والأراضي في عهد خلافته.. ولا أدري كيف يتجرأ خليفة أن يمنح أهله الأراضي والأموال وهو من المسلمين الأوائل ويعلم من الرسول الكريم أن أفعاله هذه تعد جريمة يعاقبه الله عليه لأنه لم يعطيهم من ماله الخاص وإنما من المال العام للدولة الإسلامية.
لقد قتل الخليفة عثمان على يد أحد هؤلاء الصحابة ويدعى "عمر بن الحمق " أحد المرتلين للقرآن الكريم منذ إسلامه ..قتلاً بشعاً حيث طعنه ٩ طعنات.. في أنحاء جسده ولم يقتله فقط وإنما بقر بطنه وأخرج أحشائه هو ومن كان معه من الصحابة الناقمين على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.. لأنه لم يقبل التنازل لهم عن خلافته ليستلمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
إن هذه المآسي والاغتيالات ما كانت ستحدث في بداية الدولة الإسلامية لو أن لجنة اختيار الخليفة التي اختارها عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. من بين ستة أفراد من الصحابة الأوائل .. وكان بينهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحكيم الزاهد المستقل في رأيه الذي يخاف الله في مال المسلمين وليس لأحد تأثير عليه.
لكن هذه اللجنة اختارت عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعروف عن هذا الرجل أنه طيب جداً وسخي.. وضعيف الشخصية أمام طلبات أهله مثل معاوية بن سفيان وغيره من كبار بني أمية.. وتعود على معيشة الثراء نظراً لكونه تاجراً من أثرياء مكة والمدينة. .لذلك تلاعب به كبار بني أمية به خاصة مروان بن الحكم الذي عينه رئيساً لديوانه وكان يستخدم ختم عثمان كخليفة، ويوقع عنه بما في صالح أهله من بني أمية.. وكلنا نعلم مكر معاوية بن أبي سفيان ودهائه بالتعاون مع عمرو بن العاص ..حتى أنني أعتقد بعد هذه القراءة التي قمت بها.. بأنه كان ينقم على بن أبي طالب ..ويعتقد أنه أولى منه بالخلافة ووصلت إلى استنتاج بإن والده أبو سفيان بن أمية الذي كان من كبار كفار قريش قبل إسلامه ..لم يسلم عن قناعة بالإسلام ..وإنما لأنه كان قد تأكد بأنه سيفقد مكانته العالية في مكة ويريد نفس المكانة في الإسلام الدولة القادمة القوية.. ووضع ابنه معاوية خطة محكمة مع عمرو بن العاص المعروف أيضاً بمكره ودهائه لكي يستولى على الخلافة من علي ليصبح هو الخليفة مثلما حدث ذلك بعد ما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ولا أدري لماذا تدخلت عائشة أم المؤمنين في حرب الجمل ضد علي وهو رضي الله عنه لم يكن معادياً لعثمان بن عفان ..بل كان ناصحاً له لكي لا يميل إلى أهله بني أمية فيستغل المسلمين ذلك لعدائه ومطالبته بعزل نفسه ..لكن عثمان مثلما قرأت كان لا يصغي إليه وظل خاضعاً لتصرفات بني أمية المستغلة لخلافته من أجل مصلحتهم . مما أوغر قلب المسلمين عليه وطلبوا منه التنازل عن الخلافة لعلي بن أبي طالب ورفض هو ذلك .
إن من أشعل موقعة الجمل هو معاوية بن أي سفيان ومروان بن الحكم .. رغم أن معاوية لم يرد على رسائل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لإنقاذه من الحصار الذي احاطه الصحابة به وقطعهم للماء عنه وعن أهله حوالي ثلاثة أيام ..وتهديد الصحابة بقتله .. ثم انتهز الفرصة بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه لكي يحارب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ظلماً والصحابة بتأييد من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
وانتهت "موقعة الجمل" التي انتهت بانتصار جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه على معاوية بن أبي سفيان وخسر المسلمون في هذه الحرب العقيمة ٧٠ ألف شهيد .
ويعود معاوية بن أبي سفيان مع عمرو بن العاص لمحاربة علي بن أبي طالب الخليفة التقي الورع مرة أخرى في موقعة "صفين" في العراق لعدم اعترافه بخلافة علي ..ويكاد الخليفة علي بن أبي طالب أن ينتصر في هذه الحرب أيضاً لشجاعته وشجاعة قائد الجيش مالك بن الأشتر وصحابة الرسول الكريم لولا دهاء معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص الذي اقترح على معاوية أن يتفادى الهزيمة بإن يرفع المصاحف على أسنة الرماح. .لكي لا يتجرأ علي أبي طالب رضي الله عنه لتقواه الدينية وورعه الشديد أن يستمر في حربه ضدهم ..وبالفعل انطلت الحيلة على علي بن أبي طالب وأوقف الحرب ضدهم رغم احتجاج قائد الجيش مالك الأشتر لأنهم كانوا على وشك الانتصار على جيش معاوية بن أبي سفيان
وبذلك خسر علي بن أبي طالب رضي الله عنه انتصاره .. واستمر معاوية بن أبي سفيان في عناده وعدم اعترافه بخلافة علي بن أبي طالب وكان قد استولى من قبل على استيلائه على دمشق وفلسطين ..لأنه كان يرى نفسه أولى منه بالخلافة .
هذه المؤامرات التي أحدثها معاوية بن أبي سفيان جعلت المسلمون يخسرون عشرات الآلاف من المجاهدين بسبب طموحه إلى الخلافة بدلا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..وبالفعل خرج من هذه المعارك منتصراً بسبب مكره ودهائه مع عمرو بن العاص .
وظل علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين في الدول العربية ماعدا دول الشام .. حتى تم اغتياله على يد الصحابي " عبدالرحمن بن ملجم " بعد وقت قصير من خلافته رضي الله عنه وهكذا انتصر معاوية بن أبي سفيان وتحقق حلم والده وحلمه في تبوأ أعلى مكانة في الدولة الإسلامية .. بإن يصبح خامس الخلفاء الراشدين وقام بتحويل الحكم إلى التوريث بدلاً من الشورى التي نادى بها النبي صلى الله عليه وسلم ليظل الحكم في الدولة الإسلامية في يد بني أمية.