لم تكن المرة الأولى –ولن تكون الأخيرة- التي تتوقف فيها بعض منصات التواصل الاجتماعي عن العمل، حدث هذا من قبل عدة مرات وإن اختلف من حيث النطاق والمدة.
ما وقع يوم الإثنين، الماضي، كان الأول من نوعه. كقطع الدومينو، سقطت أنظمة التواصل المرتبطة بفيسبوك. تلقت الشركة أكثر من عشرة ملايين شكوي. بدت المنظومة أشبه بعملاق عنكبوتي متمدد في أرجاء المعمورة، وفي القلب كان فيسبوك باردًا بلا حراك. توقفت كافة الخدمات المرتبطة به؛ ماسينجر، وآتس آب، وانستجرام، وعادت الكثير من الهواتف لعملها الأول الذي صممت من أجله، اجراء الاتصالات، مع مهام إضافية بسيطة.
على مدار أكثر من ست ساعات، حاول المتخصصون في مراكز عمل الشركة إسعاف فيسبوك، فصل وإعادة تشغيل الخوادم، تشغيل جزئي مع تباديل وتوافيق جغرافية. بدت استجابته أول الأمر ضعيفة، بالكاد فتح عينيه محاولاً التعرف على من حوله، ثم شيئًا فشيئًا تَسَنَدَ على الجدران تراقبه العيون القلقة مخافة أن ينهار كجبل، ثم ارتفع التصفيق والعناق والدموع عندما خطا في الممر الطويل خطواته الثقيلة الأولي وتعرف على من حوله.
ارتفعت وتيرة التكهنات، أهو حادث متعمد أم خطأ تقني. من دون انفجارات أو دخان تتواصل حروب المعلومات على مدار الساعة. أدناها اختراق حسابات أفراد إما بغرض التلصص أو جمع المعلومات والابتزاز. وأقصاها ما يجري بين الدول، آخرها اتهام روسيا بالتأثير في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، على حساب منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون.
كان مارك زوكربرج، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، قد تعرض فى عام 2018 لعدة استجوابات من جانب الكونجرس الأمريكي على خلفية ما عُرف بفضيحة تسريبات فيسبوك واختراق البيانات الشخصية لملايين المستخدمين وتحليلها بواسطة شركة كامبريدج آناليتيكا الإنجليزية، الأمر الذى أدى إلى استقالة مديرها التنفيذى آلكسندر نيكس آنذاك، بعد اكتشاف استخدام الشركة بعض هذه البيانات لتهديد سياسيين ومشاهير، والحصول على مبالغ مالية منهم مقابل الصمت.
سبعة عشر عامًا هي الرحلة بين تأسيس زوكربيرج مع أصدقاءه في الكلية عام 2004، برنامج للتواصل بين زملاء الجامعة تحت اسم FaceMash، ثم توسعه تحت اسم فيسبوك إلى جامعات أخرى، ثم إلى الناس كافة ليتبعه أكثر من 2,5 مليار مستخدم مع قيمة سوقية تقارب الخمسمائة مليار دولار.
كانت فيسبوك قد استحوذت في أبريل 2012 على تطبيق مشاركة الصور ومقاطع الفيديو انستجرام في صفقة بلغت قيمتها مليار دولار أمريكي، وبعدها بعامين استحوذت على تطبيق التراسل الفوري واتس آب بأكثر من تسعة عشر مليار دولار.
على إثر توقف الخدمة، فقدت أسهم الشركة حوالي سبعة مليار دولار من قيمة أسهمها، بواقع أكثر من مليار دولار عن كل ساعة توقف، فيما قُدرت تكاليف إعادة الخدمة بنحو ستين مليون دولار.
ولأن المصائب لا تأتي فُرادي، جاء توقف البرنامج بعد يوم واحد من الكشف عن تسريبات تحت اسم (أوراق باندورا)، تضمنت أكثر من عشرة ملايين ملف مُسرب تضمنت الأصول المخفية وشركات الملاذات الضريبية لكثير من الأثرياء والقادة السياسيين حول العالم، ومن ضمنها تسريبات حول شركة فيسبوك، أعلنت فرانسيس هوجين، الموظفة السابقة بالشركة، مسئوليتها عنها وعن الشكاوي المجهولة للكونجرس حول تعمد الشركة التضليل والإضرار بالصحة النفسية للمراهقين والحض على العنصرية.
ومع هذا، انتظر المستخدمون أمس على أحر من الجمر عودة الخدمة لطبيعتها في رسالة توحي بالدور المتزايد لبرامج التواصل الاجتماعي في حياتنا، التي صار استخدامها أشبه بالسير على حد السكين.