آخبار عاجل

رواية مايا بقلم د: محمد مصطفي الخياط

11 - 10 - 2021 12:04 394

الفصل الثالث والعشرين
("المذنبون فقط هم الذين يظنون أن عيون الآخرين تتعقبهم، يحصون أعمالهم، يسجلون أقوالهم، ويراقبون أفكارهم؛ صعب أن تهرب من ذنبك ")


 
شيء ما بداخل مايا يرفض الكتمان، يرفض استمرار مداراته، يرفض العيش دون أن تعكس شمس الحقيقة ظله على جدران حياتها، لا أعرف ما هو، لكنى أشعر بها تجاهد حتى تخفيه، تراوغ تناقضاتها الفطرية، قوة أسطورية في مواجهة الشدائد وضعف فطرى يكفل انهيارها في أية لحظة، صعب أن تعرف أى كفة ترجح عندها.
ما أن اخبرتها في مطعم الحلاب رغبتي في الابتعاد حتى انهارت ودخلت في نوبة بكاء شديدة، حاولت هدهدتها فلم أفلح، ورفضت أن أوصلها إلى بيتها، تركتني جالسًا واستقلت تاكسى ومضت، فيما جلست حائرًا لا أدرى ماذا أفعل، ولم ألبث أن انصرفت هربًا من عيون عمال المحل وزبائنه، ومع ذلك عدت في اليوم التالى وتناولت فطورى على ذات الطاولة، لم تكن رغبة في طعام قدر ما كانت رغبة في مواجهة نفسى والآخرين، وكم كانت دهشتى حين لم أجد في عيون عمال المحل آثارًا لى أو لمايا، مشهد مثل آلاف المشاهد التى تتواتر على المحل، المذنبون فقط هم الذين يظنون أن عيون الآخرين تتعقبهم، يحصون أعمالهم، يسجلون أقوالهم، ويراقبون أفكارهم؛ صعب أن تهرب من ذنبك !.
عدت إلى بيتى وكلى قلق، قلق عليها وقلق على نفسى، على مايا لمعرفتى أنها في لحظات ضعفها تتهور وقد تأتى بما لا يتخيله أحد، لا ينسى زملاءها في العمل ثورتها على مديرها؛ ألفونسو، بعد ما تخطى حدود التلميح بالغزل إلى التصريح فما كان منها إلا ان ارتفع صوتها عاليًا كإعصار لم يدر معه كيف يوقفه أو يخفف من وطأته، بعد يومين صدر قرار بنقله إلى إدارة أخرى، هذا إن لم تقدم على الانتحار.
حكت لى عن محاولتها الانتحار إثر فشل قصة حبها مع رانى، أول حب، وقت كانا في المدرسة الثانوية، أول حب حقيقى تمر به، أعطته قلبها ووقتها، رسمت مستقبلهما معًا، لم تتصور ان يكون لها زوجًا آخر غيره، خرجا معًا، ضحكا معًا، لعبا معًا، ملأ عليها حياتها، زينت دفاتر المدرسة بقلب يخترقه سهم كُتب على نهايتيه أول حرفين في اسميهما، وعندما قرر اللحاق بجامعة باريس للاقتصاد ليكمل دراسته الجامعية، اتفقا أن تسلك هى ذات المسار وترحل للدراسة أيضًا في باريس، ودعته وفى قلبها لوعة وأسى؛ صَبَرَت نفسها على أمل اللقاء في أجازة نهاية العام، لم تكن تعرف أنها آخر مرة ستراه فيها؛ انشغل بدنياه الجديدة في بلد الجن والملائكة؛ عاصمة النور، وعندما بدء خيط رسائله يتقطع التمست له الأعذار؛ ربما امتحانات وربما قسوة الحياة وحيدًا في بلد غريب وربما وربما، لكن الرسائل تباعدت أكثر وأكثر حتى كادت تيأس من وصول رسالة؛ يخبرها عقلها الباطن أن في الأمر سوء نية فيبادر قلبها يطمئنها، فتتقطع قلقًا على أرجوحة الوساوس، وعندما دق رجل البريد باب البيت وسلمها رسالته تأججت فرحًا وكادت تقبله، كما قالت لى؛ احتضنت الرسالة وانزوت في غرفتها، فضتها بلهفة مُحبة مخلصة، فاجئتها الكلمات المقتضبة، كلمات معدودات؛ بدت أشبه بطلقات رصاص صوبها بدقة إلى قلبها، ما زالت تحفظ هذه الكلمات وترددها كأنما تقرأ من الخطاب (عزيزتى مايا .. اعتذر منك .. اتمنى لك حياة أفضل مع رجل غيرى .. راني).
كان هذا كل ما في الخطاب، اسودت الدنيا في عينيها؛ فقدت الأمل والرغبة في الحياة فأقدمت بعد يومين، كابدت فيهما آلاما نفسية هائلة، على الانتحار، وأنقذها أبوها في آخر لحظة، خرجت من المستشفى حطامًا يتساند على انكساره المهين، كانت في أجازة الصيف وتستعد لدخول الصف الثالث الثانوى، لولا عمتها المقيمة في كندا لما استطاعت استكمال حياتها؛ تواصلت معها بشكل يومى، ساعات طويلة عبر الهاتف، وشيئًا فشيئا بدأت تعاود حياتها الطبيعية، لذا وعدها أبوها آنذاك أن تكون هدية نجاحها زيارة عمتها، اجتهدت ليس لرغبتها في النجاح ولكن لتشكر عمتها بنفسها، طلبت من أمها أن تغزل شالاً صوفيًا بألوان علم لبنان، اشترت أفضل وأغلى خيوط الصوف في محال بيروت بألوان حمراء، وبيضاء، وخضراء، وعندما هبطت مطار فانكوفر أخرجته من حقيبة يدها وطوقت به عنق عمتها فقبلته بعيون تملأها غيوم الدمع والحنين، قبلت شجرة الأَرز الخضراء في قلب العلم، رمز لبنان.
توترت وزاد قلقى عليها عندما تذكرت تداعيات ضعفها وانهيارها ثم يأخذنى الأمل إلى شاطئ التفاؤل وأعول على روح التحدى والإصرار فيها؛ فلولا تلك الروح ما تخطت آلامها مع رانى، ولولا هذه الروح ما رأيتها صباح اليوم التالى في غرفة نومى بعد أن عدت من الكورنيش، جاءت في السادسة صباحًا بعد فشلها في اصطياد النوم، قضت ليلتها بين دخان السجائر والقهوة تندب حظها حينًا وتبكى حينًا آخر، كادت تقدم تحت تأثير هواجسها السلبية على أفعال جنونية، أغلقت هاتفها منذ غادرت المطعم وحتى صباح اليوم التالى، حين قررت مواجهتى مرة أخرى في بيتى، وعندما لم تجدنى رتبت البيت كعادتها وأحست بالخدر يسرى في جسدها المنهك، عمدت إلى ضلفة الدولاب الخاصة بها وغيرت ملابسها ونامت ملء جفنيها.
توقعت أن تجدنى إلى جوارها عندما تستيقظ، فلما رأتنى نائمًا في غرفة الاستقبال صُعقت، أحست بغصة في صدرها، ثم سرعان ما تماسكت واندست إلى جوارى كقط يختبأ في صدر صاحبه مكتفيًا بما فيه من الحب والأمان عن كل ما في العالم من عطايا ونعم، تمنت لو أعدنا صياغة قصيدة نزار قبانى أيظن ورحنا ندندن معًا كما فعلنا مرارًا من قبل (كم قلت إني غير عائدة له .. له .. ورجعت .. ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه)، حاولت إيقاظ الماضى دون جدوى.
تَفَلتُ منها، بالمداراة مرة وبالتورية مرات، راعتنى هشاشتها، وما كان تماسكها حتى انصرفت إلا لشيء من كبرياء وقف أمام انسحاقها أمامي.
رغم انصرافها ومرارة الهزيمة في فمها، إلا أننى أيقنت أنها لن تستسلم بسهولة، سوف تحاور وتناور وتداور ولن تقبل بتنكيس راياتها أبدًا، لن ترضى أن نردم بئر خصوصيتنا برمل النسيان، لن تقبل ألا تزورنى في بيتى وقتما شاءت، وإن حدث فكيف لها أن تكبح رغباتها، وإن صددتها مرة أو مرتين أتصمد ريشة رغباتى أمام رياحها وعواصفها.
وعلى غير موعد، وجدتنى أتمتم "يبدو أن أوان الرحيل من بيروت قد أزف وآن للقافلة المستقرة منذ سنوات أن تطوى خيامها وتسقى إبلها استعدادًا للرحيل"، آه، مع كل خيبة جديدة أخسر مدينة، كم هى قاسية قواعد لعبة الحب، أرجو أن تكفى مدن العالم لاستيعاب خيباتى المقبلة، تُرى إلى أين؟.
لم تكن سانتياجو قد ظهرت بعد على الساحة، كانت تُعد في مطبخ الغيب، تسوى على مهل لتستقبلنى بذراعيها وتفتح قلبها كقس اعترافات جديد يتسع قلبه لآلام العالم وخطايا البشر فأجلس أمامها وافتح سرسوب حكيى بعفويته دون تنميق ودون تزييف. 
كنت أعول على الزمن ليكوى جراحاتنا وينسينا آلامنا، فإذا ما تحسسناها وجدنا أثر الجرح ولم نجد الألم، مطرزًا قلبى بندوب الخيبات، ما أقرب حالى إلى قول المتنبى (فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال)، الندوب الصغيرة لا تعد ولا تحصى يا سيد متنبي.
ما الذى أملكه الآن، دموع أم وأب مكلوم، وذكريات مهترئة تركتها كل النساء على محطات حياتى، ريم وجيهان وغادة ومايا، وربما أخريات غيرهن في الغد القريب.
كانت مايا رغم محاولات البعد اليائسة من جانبى، تهوى بفأس إصرارها على كل حجر أضعه بيننا بكل قوتها، فيتفتت وتطيح الريح بحطامه أو يتصدع وما عاد يصلح أن تضع فوقه حجرًا آخر بغرض بناء جدار فاصل، بدا إصرارها واضحًا، لماذا أعجز عن بناء حاجز ولو حتى جدار شفاف، ربما احتاج أن أفاجئها كما باغتها اتصال زوجها من مطار أبو ظبى يخبرها قرب وصوله بيروت، فأيقظنا جميعًا من سُباتنا بعد ما أنسانا التعود المسموح والممنوع، حتى هى أوشكت تعتذر وتَلبَسها ارتباك غير معتاد وهى تخبرني بقرب قدومه.
عندما التقيتها صباح اليوم التالي لوصوله تعمدت إبعاد عينيى عن مجال عينيها، لم أكن في حاجة لأعرف ما الذى دار بينهما، ولا أن تخبرنى. لا حاجة للسؤال فأنا أعرف ما الذى دار من دون أن تحكى منه حرفًا، بل والذى قالته والذى سكتت عنه، وأعرف ما الذى ارتدته من ملابس من دون أن تُلمح، سوف ترتدى له ذلك القميص الأسود الذى تتألق فيه كقطعة من نور؛ شفاف كبيت عنكبوت مُهلك كشبكة صياد ماهر، أيضًا أوقن أنها وضعت له ذات العطر الذى ينسج حولها شرنقة غواية. 
بقيت لفترة اتلافى مقابلتها، وإن حدث تهرب عيناى، فتطاردنى عيناها، وعندما تهم بالكلام أضع إصبعى على شفتيها وأرجوها ألا تتكلم، وأعقب (ربما كان هناك من أخطأ ويحتاج لمراجعة موقفه)، طلبت منها أن تتصرف بطبيعتها مع أسرتها، لم أقل زوجها، فمنذ عرفتها ونحن نتحاشى ذكره، تعمدنا إسقاطه من حياتنا، تجاهلنا الواقع مع سبق الإصرار حتى فرض نفسه علينا.
بعد عودته إلى أبو ظبي اضطربت علاقتنا، ورحت أفكر جديًا في إنهائها وانعكس ذلك على تصرفاتي معها. من جهة أخرى، بدت منكسرة على غير عادتها، خَفُتَت وتيرة انطلاقها وغَشَاها هدوء، مؤرقة تتقلب على جمر التوتر، تكتحل عيناها بهالات بنية داكنة تحكيان عن ليل أتعبها أكثر مما أراحها، فغلبتها طبيعتها حين يملكها التوتر، تحدث نفسها بهمس غير مسموع وتعد على أصابعها وترسم بيديها أشكالاً في الفراغ، ثم كان ما كان من محاولتها عودة المياه إلى مجاريها بعد لقاءنا بمحل الحلاب، ثم انصرافها صبيحة اليوم التالى من بيتي دون تحقيق غاياتها.
ثم كانت تلك الأمسية الفاصلة التى لم ارتب لها. اتصلت ظهر أحد أيام الآحاد واخبرتنى أنها ستمر على في نحو السادسة مساءً، بدت فرحة مسرورة كأنه اللقاء الأول لنا، قبلت زيارتها وفى نيتى إرضائها بزيارة روتينية تزيد من عمق الفجوة لا أن تضيقها، لا عواطف ولا حب، جلست إلى جوارى واحتضنتنى ونامت برأسها على صدرى، فسألتها رغبة في تغيير الموقف،
-    ما بدك نشرب قهوة
-    عيونى
-    ........
نهضت نشيطة ترفل في رداء أرجوانى فضفاض، استلته من ضلفتها بدولاب غرفة نومى بعد ما غيرت ملابسها، تركت هاتفها على الطاولة وقامت إلى المطبخ بينما يأتينى صوتها تحكى كيف مضى يومها رتيبا مملا، فعلى خلاف عادتها الصباحية لم تتريض، لتمتد راحتها إلى الأحد بدلا من الاكتفاء بالسبت، تردد صدي صوت إعداد القهوة ورص الأكواب على الصينية مع طبق به بعض الشطائر.
انشَغَلتُ في تقليب قنوات التليفزيون، لا يكف صخب السياسة عن المشهد اللبنانى، تشكيل الحكومة والثلث المعطل الذى يبحث عنه أحد الأحزاب أكثر من بحثه عن الثلث المكمل والاتهامات المتبادلة بين الفرقاء، عندما رن هاتفها، فجائنى صوتها من المطبخ،
-    حبيبى، دخيلك الله اقفل صوته
مددت يدى إلى الهاتف، كان اسم إيلى يضيء الشاشة بحروف لاتينية مع صورة حديثة لهما بلباس البحر مع ابنتهما وقد غرق الجميع في سعادة. 
فى الوقت الذى مددت فيه يدى نحو الهاتف لأغلقه تم تحويل المكالمة آليا إلى البريد الصوتى، (مايا وحشتينى كتير ... ما سمعت صوتك من المسا ... ناطرك تتلفنى ... كيفك وكيف ساندرا ... ناطرك حبيبتى)، كانت هذه أول مرة اسمع فيها صوته وأول مرة أرى على وجهها هذه الملامح غير القابلة للتفسير أو الترجمة، كانت قادمة تحمل صينية القهوة والفطائر لحظة بدء بث الرسالة الصوتية فتجمدت مكانها لا تعرف كيف تتحرك ولا ماذا تقول.
سمعت الرسالة كما سمعتها، تضاربت في داخلى الأفكار والتفسيرات، قبل حضورها بيوم ذُكر زوجها عرضا في حديث تليفوني بيننا، فما لبثت أن أردفت، كأنها تعتذر، أنه لم يحدثها منذ سافر سوى مكالمات بعيدة مقتضبة، كيف وهو في المكالمة يشكو أنه لم يسمع صوتها منذ ساعات، خلاف ما اكتنزه صوته من شوق إليها، شوق زوج مغترب يكابد آلام البعاد والحرمان من زوجته وطفلته، خمنت أن الأجازة أثمرت في سد الفجوة بينهما.
طرق ذهنى بشدة ثمة خاطر، ألا يحتمل أن ما أدعته بينها وبين زوجها من عدم توافق ليس صحيحا، طردت الفكرة، لكنها عادت بعد ذلك تطاردنى كواقع وتلح على رأسى.
كانت لا تزال على حالها واقفة دون حراك، ابتَسمتُ باقتضاب وحيادية ووجدتنى أقول، 
-    ما بِدك نشرب قهوة
تحركت من ثبات قائلة،
-    أبدًا، عيونى
تناولت فنجانى ورحت أفكر في لا شيء، اقتربت منى، نظرت إليها متسائلا فأبعدت عينين دامعتين ثم راحت تنشج باكية، وشيئا فشيئا ارتفع صوتها، ربت على كتفيها وطلبت منها أن تهدأ وتقوم لتغسل وجهها لكن بكائها كان يزداد، قمت إلى الحمام وأحضرت فوطة مبللة بالماء رششتها ببعض الكولونيا، وطلبت منها أن تمسح وجهها علها تفيق، أخذتها منى ودفنت وجهها فيها محاولة كتم صوت نحيبها الذى طال، جلست إلى جوارها دون لمسها وانتظرت حتى رفعت وجهها وقد هدأت قليلاً إلا من بعض شهقات تتابع بفاصل زمنى قصير.
لا أدرى كيف جلست إلى جوارها دون مسها، ربما الطبيعى في مثل هذه المواقف أن أضمها إلى صدرى واربت عليها ريثما تهدأ، جلست اتابع شهقاتها بوجه محايد يخفى قسوة لا أدرى من أين هبطت ولا كيف تشكلت، فاجأتنى قسوتى وظننت أنى أحلم، ربت عليها في بداية بكائها ثم جلست كأنى لا أعرفها، كمن يتابع مشهدًا تليفزيونيا لا يمت له بصلة، من المؤكد أنها سوف تفكر في رد فعلى، بعدما تهدأ، مرارًا وتكرارًا، سوف تحاول تفسير كيف جلست أنظر إليها دون أن تتحرك مشاعري تجاهها.
لم أُشغل بمشاعرها تجاهى قدر حرصى على أن اسجل عبر هذا الموقف تغيرًا تراه لافتا وغير عادى، أردته حدثا يؤرخ لمرحلة جديدة من علاقتنا يبقى فيها الجدار الفاصل بيننا قائمًا وقويًا وتتسع فيه الهوة شيئًا فشيئا، قبل هذا اليوم أرجعت إحساسى بتغيرى تجاهها إلى حضور زوجها وما أثاره في داخلى من لوم، الآن أضيف له اتصاله وتعقيبه العفوى على عدم ردها، خلاف ذلك راح شكى تجاه ما صورته لى عن إيلى يتزايد، يدق رأسى بعنف، يجتاحنى بلا مقدمات، ليس في صحوى وحسب بل وفى نومى؛ أصحو متكدرًا وقد داهمنى شعور غريب، أشعر معه بفراغ قلبى وحيرتى، ذَهبت وذَهبت أحلامها الذهبية. 
سألتني ذات مساء ونحن نتناول عشائنا في مطعم الموفينبيك المطل على البحر،
-    قديش حكيت لك إنى كتير أحلم بيك، وإنت ما مرة خبرتنى إنى زرتك في الحلم
نظرت إليها مبتسما وقلت متعمدًا مشاغبتها،
-    مرة واحدة زرتينى في الحلم
فاندفعت تتساءل،
-    وليش ما قلت ؟
أبعدت عينى عن مجال جاذبيتها ونظرت ناحية القمر المتدلى من طرف السماء مُتلهفًا تقبيل صفحة الماء فيثور الموج شوقا، ثم اجبتها،
-    ما بينحكى !!
تركت السكينة والشوكة من يديها ونظرت في عينيى، وقالت،
-    وليش تحكى، بنعيشه سوا !!
فغرقنا في الضحك بصوت عال أكد لنا عفوية علاقتنا ورجوعها إلى الجذور الأولى للإنسان على كوكب الأرض.
على الرغم من تطور حياتنا وأساليب معيشتنا واختلاط ثقافاتنا إلا أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تزال تخضع للفطرة، تحكمها سلوكياتنا البدائية التى مارسها أبناء آدم وحواء، لم تفلح المدنية الحديثة ولا ما مرت به الحضارة الإنسانية من محطات تطور في تهذيب جين الجنس، ظل عَصَيًا على التطور، بدائى النزعة، ليصبح الطرفان نسخة طبق الأصل من الإنسان الأول.
أفقت من هواجسي على ضجيج شكى في روايتها عن زوجها وإن لم يمنعني ذلك من مبادلتها بعض كلمات للتهدئة من حين لآخر، من جانب آخر اجتاحنى تأنيب ضمير يجلدنى آناء الليل وأطراف النهار، يرجمنى بأسئلة لا أدرى إجاباتها، مصلوبا على بوابات الخطيئة اتلقى بوجهى وصدرى حجارة التطهير، كيف يكون رد فعلى لو تبادلنا الأماكن أنا وإيلى، أُصبح أنا الزوج المخدوع المغترب بحثا عن لقمة عيش تسد جوعها وجوع ابنتهما. إحساس لا يطاق !!. 
أحسست بضيق لم استطع معه الصبر فنهضت كمن يهم بالانصراف وكأنى لست في بيتى، قبضت على ذراعى رافعة عينيها الدامعتين تجاهى متوسلة أن أجلس، قلت لها،
-    بيكفي عذاب وآلام، ما بدى جروح إضافية
-    أرجوك، من شان خاطرى، الله دخيلك تقعد
-    ما بقدر 
-    ...
-    صدقينى ما بقدر
-    أرجوك .. بليز ..
نظرت تجاهها نظرة توعد ولسان حالى يقول لا بديل عن الصدق، وقلت
-    خبرينى بكل شيء !!
-    .... 
حركت رأسها موافقة، ثم استأذنت لدقائق غسلت فيها وجهها وعادت وجلست على حرف المقعد ضامة ساقيها، متكئة بمرفقيها على ركبتيها، محنية الرأس، ثم ما لبثت أن هزت رأسها كأنما تفيق وراحت تحكى حكيًا أقرب للاعتراف.
إلى لقاء في فصل جديد
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved