وتابعت الوسيطة حديثها بعد أن التفتت إلى أخي لتسمعه "يقول أخوك أيضاً أن والديك كانا يسكنان في مكان عالي ثم انتقلا إلى مسكن أرضي... (وكان هذا الأمر حقيقياً )واستمعت إليه مرة أخرى لتخبرني أشياء أخرى خاصة تتعلق بحياتي الشخصية كانت كلها مطابقة للواقع . يقول أخوك أن زوجك غير قادر على أن يدرك أنك لست سيدة منزل عادية ويضايقك هذا الأمر كثيراً" قلت لها وأنا أزداد يقيناً أن الجسم الأثيري الذي تتحدث معه هو أخي الحبيب محمد الذي كان قريباً جداً من قلبي لرقة مشاعره وطيبته "فعلاً انا صحفية وعاملة في نشاطات خيرية عديدة..وهذا يضايقه أحياناً وسألتها : "هل أكمل أخي دراسته وهل يمارس مهنة ما ؟" التفتت إليه لتسمع إجابته .. ثم قالت : " يقول شقيقك إنه أكمل دراسته في عالم الروح .. وأصبح دكتوراً روحانياً .. ليساعد الكثير من الأرواح المتعبة ..عندما تصل إلى عالم الروح ". وقالت "أخوك يحمل قلباً كبيراً ونفساً عطوفة ... يقول إنه يشعر بالسعادة عندما يشفي هذه الأرواح من أمراضها لتعيش بسلام وراحة في عالم الروح ". سألتها محاولة الوصول إلى المزيد من اليقين بوجود أخي معنا في الغرفة . "هل تستطيعين رؤيته" وبثقة أجابت "طبعاً مثلما أراك". "هل في إمكانك وصف ملامحه لي ؟" وبدون خوف أو ارتباك .. وببساطة وصفته .. يبدو وسيماً .. طويل القامة .. عيناه لامعتان .. ولهجته لطيفة وحنونة.." "قلت لها وأنا أزداد دهشة لأن هذه الملامح هي ملامح أخي عندما كان بيننا". "هل طول وجهه مقارباً لطول وجهي ؟" "لا أطول قليلاً " قلت لها فرحة : " هذا حقيقي .. لقد ازددت شوقاً لسماع المزيد عنه .. مع من يعيش أخي الآن ؟" التفتت إليه لتسمع اجابته .. ثم قالت : " يقول إنه يعيش مع أخته فريدة ." " من هي فريدة .. أنا لاتوجد لدي أخت اسمها فريدة وتوفيت " يقول إن لكم أختاً في العالم الأثيري اسمها فريدة و قد سقطت أثناء عملية إجهاض عفوية لوالدتك .. ولم يكن قد مر من أشهر الحمل إلا أربعة أشهر .. وقد نشأت في عالم الروح .. وهي تعيش معه الآن ومعهم امرأة أخرى تدعى "عائشة". وازداد ذهولي لصدق المعلومات التي ذكرتها .. فقد كانت مطابقة لما حدث لأمي ..لإنها فقدت جنيناً في الشهر الرابع ..وكذلك بالنسبة للمرأة التي كانت معه لإن أبي فقد والدته وهو لم يتجاوز السنتين من عمره وكان اسمها "عائشة". "أسأليه .. هل هو سعيد في عالم الروح ؟ " والتفتت إليه وشوقي يتضاعف لرؤيته .. ثم قالت :" يقول بأنه سعيد و لايريد العودة إلى عالمنا الأرضي .. لأن الحياة هناك أكثر عدلاً وأوسع وأرحب وأكثر جمالاً". سألتها سؤالاً اختبارياً : "هل عرفت من أخي كيف توفي ؟" وبعفوية تأكدت منها أنها واسطة نقل لمعلومات من شخص أنتقل إلى عالم آخر ولا زال يحمل مشاعر الحب والاهتمام إلى أخته التي دفعها شوقها إليه أن تأتي لتسأل عنه. "يقول شقيقك أن وفاته كانت مفاجئة وغير متوقعة .. إذ كان يعتزم الذهاب إلى حفلة مع أصدقائه عندما اشتبكوا في مشاجرة أثارها أشخاص منحرفون لبنانيون ..وقد أخرج أحدهم سكيناً وطعنه في قلبه وتوفي بعدها بساعة ، ولم تكن لحظات الموت مؤلمة بالنسبة إليه". وعندها ذكرت لنا الوسيطة لنا ذلك بد الألم قد بدت على وجهها عندما أخبرها أخي أنه مات مطعوناً بسكين .. لكنه قال لها .. "لا تتألمي .. لقد انتهى منذ زمن بعيد .. وأنا الآن سعيد في عالمي هنا". وأكملت قائلة : "يقول أخوك إنه لم يودع أمه قبل وفاته" ثم قالت : "أخوك يذكر لبنان وأنه كان هناك". وكان ما قالته مطابقاً كله للواقع المرير الذي عشناه منذ عشر سنوات .. وحرمنا من أخ كان في أخلاقه كالنسمة الرقيقة .. تنشر أريجها في قلوبنا عطاء ومحبة .. لم يمهله القدر أن يعيش أكثر من سبعة عسرة سنة .. عندما قرر السفر مع أسرتي إلى لبنان ..ليرحل مقتولاً في يوم وصوله وبنفس التفاصيل التي ذكرتها لي الوسيطة من خلال ما يخبرها أخي. وأعود إلى المزيد من الحقائق تصلني الواحدة وراء الأخرى. قالت : "يقول شقيقك إنك عنيدة ومثالية وأنك لا تستطيعين أن تكوني ربة بيت فقط لأنك طموحة" "وأعتقد أنها لامست واقعي بهذه المعلومات" وانتقلت إلى عملي : "يقول أيضاً إن دقتك الشديدة في العمل تقلل من إنتاجك الفكري .. لذا فهو يطلب منك أن تتخلصي قليلاً من هذه العادة حتى يزداد انتاجك ... وهو ينصحك بألا تخبري أحداً بأفكارك قبل أن تنفذيها لكي لا ينقلها الآخرون قبل أن تقومي بتنفيذها . (وقد حدث هذا الأمر فعلاً في حياتي). واسترسلت السيدة دوريس ستوكس في توصيل ما يريد أخي أن يقوله لي : "يريد أخوك أيضاً أن يطلب منك أن تكملي عملاً فكرياً كنت قد بدأته .. كنت قد بدأت بكتابة قصة لكنني لم أكملها وكنت أشعر بالضيق لذلك . ثم قالت لي أشياء ذهلت من دقتها وتطابقها من واقع حياتي .. "يقول أيضاً أنك قد قدمت أعمالاً تلفزيونية .. ويطلب منك التركيز على الجهاز الحيوي لأنه يتوقع أن يكون لك شأن كبير به إذا واصلت به" سرى إحساس بالراحة النفسية في أعماقي .. إذ لم أكن أتصور أن حبي لأخي وتفكيري به يلقى منه تجاوباً وحباً واهتماماً وهو يعيش في عالمه الأثيري. ثم قالت "يقول أخوك أن لديك موهبة ستكتشفيها قريباً" وفعلاً اكتشفت بعد عام قدرتي على التلوين واتقان الفن التشكيلي وكأنني ملمة به منذ زمن طويل رغم أني لم أدرس الفن التشكيلي أبداً " وعندما انتهت الجلسة .. كنت قد تأكدت تماما من حقيقة الحياة بعد الموت .. لم أكن أريد أن أترك هذه الغرفة التي جمعتني بأخي بعد فراق طويل . ولم ينته حديثي مع السيدة دوريس ستوكس .. فقد بقي من الوقت ساعة كان لي خلالها حوار ممتع ومثير مع هذه الوسيطة التي تحمل على أكتافها خبرة لا تقل عن الثلاثين عاماً في العمل تحدثنا عن طبيعة عملها كوسيطة .. وأنواع الوساطة الروحية .. وكيفية تعاملها مع الأجساد الأثيرية وانتقلنا إلى ظاهرة البيوت المسكونة .. وكيف يمكن للوسيط السيطرة فيها على الأجساد الأثيرية العابثة أو الشريرة .. ثم تدرج الحوار بيننا إلى معالم العالم الأثيري .. وغير ذلك من المواضيع الروحية عن عالم لم نذهب إليه بعد .. لكننا راحلون إليه حتماً شئنا هذا أم أبينا.