القطب أثناء النوبه
وجدت أن من الضروري أن أأتي بمثالين أحدهما لإمرأة والثاني لرجل ..لإوضح ميف يعاني مرضى أثناء نوبة الإكتئاب .. لكي يدرك القارىءمدى قسوة هذا المرض ولماذا يتجه بعض المرضى عندما يصابوا به لإول مرة ولا يعلموا أن مرض نفسي مؤلم جداًومؤقت إلى الأنتحار.
تصف إحدى السيدات شعورها أثناء إصابتها بنوبة اكتئاب :
" أريد أن أهرب من كل الناس حتى أولادي ..لا أطيق البقاء مع أحد في غرفة واحدة..كيف يمكنني أن أقوم بواجباتي نحوهم كأم ؟..أنا أم سيئة.. ولا أستحق نعمة وجودهم في حياتي ..ماذا جنيت يارب لكي أتعذب هكذا؟ ..إنني يائسة وحزينة جداً ولا أثق بنفسي ..ولا أريد أحد أن يراني إبكي خصوصاً أولادي ..أحاول أن أخفي عنهم ضيقي وحزني ..أهرب إلى غرفة نومي وأجلس وحدي في الظلام أبكي ..لكنهم أحياناً يشاهدونني لإن دموعي تسيل رغماً عن إرادتي عندما يزداد الضيق بضبابه الأسود ضغطاً على نفسيتي ويمنع عنها نسمات الإنشراح .
ماذا أفعل بمسؤلياتي للإجتماع القادم في شركتي ؟..الجميع ينتظر مني أن أضع الخطة للسنة القادمة ..وأنا غير قادرة على أن أرفع يدي لإمشط شعري ..كل ما أريده هو البقاء وحدي لا أتحدث إلى أحد .. ماذا سأتحدث لا شيء يهمني الآن ..أتمنى لو أ موت وينتهي عذابي .
ويصف أحد مرضي الإكتئاب أثناء نوبته التي داهمته لإول مرة في حياته وشعر معها برعب شديد لجهله بهذا المرض .
"لم أعرف الفرق بين شعوري بالحزن وشعوري بالإكتئاب إلا عندما تعرضت إلى حادث وأنا أستعد للمشاركة في الألعاب الأولمبية التي كان والدي يشجعني كثيرا لإشارك بها .
لكن أحلامي انهارت وأنا أجد نفسي طريحاً في الفراش غير قادر على الحركة..أذكر أنني حزنت كثيرا لإن هذه الفرصة الثمينة قد فاتتني..وبقيت في المستشفى عدة اشهر .. وبكيت وأنا في المستشفى ولم أرغب أن أرى أصدقائي..إلا أن مجيء والدي وهو خائف علي من الموت ..وفرحه عندما رآني مجروحاً فقط لا ميتاً..منحني إحساس بالراحة النفسية..إذ شعرت أن والدي لا يهمه أن أشارك هذا العام ..وأستطيع أن أشارك في العام القادم ..المهم لديه سلامتي .
وأدى وجود والدي ودعمه لي واقترابه مني كثيرا أثناء فترة العلاج..إلى تطور علاقتي به لنصبح كالأصدقاء،مماجعلني ذلك أرتاح نفسياً وأتجاوز حزني وأعود لممارسة أنشطتي الرياضية وأعتزم على المشاركة مرة أخري في إحدى المبارايات القادمة للمشاركة في المباريات الأولمبية القادمة في مدرستي .
وبقيت من هذه التجربة.. ذكرى جميلةوعزيزة على نفسي لإن أبي توفى بعد ذلك الحادث بخمس سنوات .
كنت أظن أن ماحدث لي بعد ذلك الحادث إكتئاب بسبب حزني الشديد وعدم
رغبيتي في أرى أحد طوال بقائي في المستشفى إلى أن أصابني موقف آخر علمت من خلاله ما هو الفرق بين الإكتئاب والحزن .
فوجئت برسالة تصلني من مديري في الشركة يخبرني فيها أنه تم الإستغناء عن خدماتي في الشركة وعلي أن أحضر لإستلم بقية أشيائي الخاصة بمكتبي في الشركة.
كان علي أن أتوقع خبر من الشركة بسبب المصاعب التي تمر بها..لكني لم أكن أتصور أنني سأكون أحد الضحايا الذين ستتصل بهم الشركة لتخبرهم بفصلهم من العمل.
لم أكن أحسب أنني غير مهم في هذه الشركة إلى هذا الحد..إذ قلت لنفسي " لو كانت وظيفتي مهمة لاحتفضوا بي "
في البداية لم أستطع أن أصدق ..فأصبحت أدور في حجرات البيت حائراًخائفاً ..ماذا سأفعل؟.. اعتقدت أن هناك خطأ وأن المدير سيتصل بي ليعتذر أنه أقالني بالخطأ..لكن هذه الرسالة لم تصل وتيقنت عندها أن هذا واقعي وعلى أن أقبل به.
بدأ اليأس يتسلل إلى نفسي ..لقد ضاعت شخصيتي التي عرفت بها لسنوات طويلة من خلال وظيفتي كمحاسب لشركة معروفة..وكان هذا الشعور مرعباً لي لإنني لم أعد ذالك المحاسب الناجح في عملي.
وبدأت ألوم نفسي وأقلل من شأنها..بإنني لا شيء في عملي ..حيث لو أن وظيفتي هامة لما أقالوني.
لم أعرف ماذا أفعل بنفسي .. أختبأت في فندق لم أكن أريد أن أرى زوجتي..قلت لها أنني في رحلة عمل مستعجلة..وبقيت في الفندق ثلاثة أيام ..لم أرد أن يراني أحد..لكن حبسي لنفسي في الغرفة أثار شك مدير الفندق بي..فاضطررت أن أعود إلى البيت وأواجه زوجتي .. كانت زوجتي قلقة جداًلإنها لم تراني لمدة ثلاثة أيام..وعندما علمت منها بإنها تعرف بإقالتي ابتعدت عنهاوطلبت منها أن لا تكلمني أو تلمسني ..شفقتها علي جعلتني أشعر أني أكثر تعاسة..وعندما واجهتني كنت أريد أن أضربها..لذلك بقيت في غرفتي وحيداً أو أحياناً أخرج للمشي وحدي في الحدائق.
كنت أشعر وكأنني دخلت نفقاً مظلما تحت الأرض لا نهاية له يزداد عمقاً فيتضاعف خوفي من وضعي البائس ..ولا أدري كيف أخرج من أزمتي ومن إحباطي ..وبقيت على هذه الحالة من الحزن والضيق والمرارة منعزلاً عن الآخرين لعدة أشهر حتى انقذني صديق عزيز علي لكي أخرج من هذه العزلةإلى بقية زملائي الذين أقيلوا قبلي ..وأخذت أتكلم معهم عن أفكاري ..وأرشدوني إلى طبيب نفسي ساعدني على التخطي على حزني وضيقي..لقد أنقذ أصدقائي والطب النفسي حياتي.
لم يقل هذا الشخص المكتئب أنه يشعر وكأنه في وسط نفقاً مظلماً ..وإنما قال أنه كان يشعر بنفسه وسط نفق مظلماً تحت الأرض لا نهاية له ..إذ خلال شعور الإنسان بالحزن فإنه يضع مسافة بينه وبين الحزن الذي يشعر به ..لكنه إذا كان
مكتئباً يشعر بآلام المشكلة في داخله لا يستطيع الإنفصال عنها يتألم بسببهاويعاني منها ..لاشيء يخفف عليه ألمه ورغبته في العزله لإن داخله ميت لا رغبة لديه في عمل أي شيءويستمر هكذا بين شهر وعدة أشهر وأحياناً سنة في حالات الإكتئاب المستعصية..إذا لم يقم بعلاج نفسه.
وهذه أنواع الجمل التي يقولها المكتئب أثناء اكتئابه
"أشعر أني في قاع مظلم..أو أشعر أنني وسط بالونة سوداء أوفي سجن زجاجي"
"أشعر بإحباط شديد ولا أحد باستطاعته أن يساعدني "
"أنا وحيد وفي القاع يائس من الحياة..ولاقيمة لي فيها..وأشعر بالندم كثيرا "
"أنا أدور في دوامة فارغة سوداء"
"أشعر بنفسي فارغ من الداخل لا رغبة لدي في أن أقوم بإي نشاط"
وأصل إلى نهايةحلقاتي الثلاثة التي تناولت بها مرض الإكتئاب الأحادي القطب لإنني وجدت أن من الضروري تعريف القارىء بهذا المرض القاسي المؤقت لكي لا يفقد المريض من خوفه الأمل في الحياة فيتجه إلى الإنتحار ..خصوصاً كما ذكرت من قبل إذا لم يعلم عنه وأصيب بآلامه النفسية المؤلمة.