في أيامه الأولى على كوكب الأرض، تعامل الإنسان مع البيئة المحيطة بغرض تأمين احتياجاته الغذائية. لم يكن في حاجة لأكثر من 2000 سعر حراري يوميًا، تكفيه للبقاء على قيد الحياة. كان نباتيًا حتى النخاع.
بمجرد اكتشافه النار، تغير نمط حياته بالكلية. مارس الصيد، وعرف الطهي وراح مؤشر استهلاكه يصعد متسارعًا ليصل حاليًا إلى 230 ألف سعر حراري في اليوم. ارتفعت معه نسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء إلى 416 جزء في المليون. بدا فصل ذلك التوأم السيامي؛ التنمية الاقتصادية وانبعاثات غازات الدفيئة، أمرًا صعبًا، وإن كان حتميًا.
مدفوعة بمحركين رئيسيين؛ خفض الانبعاثات وتنافسية أسعارها، تطورت مشروعات الطاقة المتجددة خلال العشر سنوات الماضية بمتوسط 20% سنويًا، مما دفعها للواجهة.
صار تأمين إمدادات الكهرباء من المصادر المتجددة قرين ضمان الأسعار الرخيصة. انخفضت أسعار الكيلو وات ساعة أقل من 3,0 سنت دولار أمريكي لطاقة الرياح، و2,0 سنت دولار أمريكي للطاقة الشمسية، بقيمة ثابتة لعقود تتجاوز العشرين عامًا.
حتى الوقت الراهن، تُنشأ مشروعات المتجددة بغرض ضخ الكهرباء في الشبكة، دون قَصرها على استخدام بعينه. استوعبت الشبكة تفاوت معدلات انتاجها، نظرًا لطبيعتها المتغيرة؛ الإشعاع الشمسي وارتباطه بحركة الشمس من الشروق إلى الغروب من جهة، وسرعات الرياح من جهة أخري.
من جانب آخر، يثير تطور تقنيات تخزين الطاقة شغف مخططي الطاقة لرفع مستوى استقلالية المصادر المتجددة. انخفضت أسعار البطاريات من ألف دولار لكل كيلو وات عام 2010، إلى أقل من مائة دولار حاليًا. ولا يزال الانخفاض مستمرًا.
استشرافاً للمستقبل ينتظر أن تتحول مشروعات الطاقة المتجددة نحو الحلول المتكاملة؛ بمعني آخر تدخل في نسيج المشروعات الاستراتيجية، مثل مشروعات تحلية المياه، وانتاج الهيدروجين الأخضر، وتخزين الطاقة، والتخلص من النفايات، مما يعطي هذه المشروعات بصمة بيئية مميزة من ناحية، ويكفل إمدادها بكهرباء خضراء زهيدة التكلفة من ناحية أخري، سواء تم ربطها بالشبكة أو دُمجت مع مصادر أخرى.
من هنا ستختلف في المستقبل القريب –غضون خمس سنوات- هيكلية أسواقها ومنهجيات تسويقها، سوف تصبح كميات المياه التي مُنع تبخرها في الفضاء الغرض الرئيس لنشر الخلايا الشمسية العائمة على مسطحات المياه العذبة. حيث يرفع تسعير الماء المتجنب بخره جاذبية الخلايا العائمة، مرتفعة التكلفة مقارنة بنظيرتها.
بذات الوتيرة، يمكن تسويق مشروعات انتاج الطاقة من النفايات، بتقديمها كمشروعات بيئية في المقام الأول، يتم من خلالها التخلص من المخلفات بشكل آمن وصحي يجنب الدول تكاليف غير مباشرة على الصحة، في حين تعد الطاقة الناتجة؛ حرارية أو كهربية، منتجًا ثانويًا، يُحسِّن من اقتصاديات المشروع، ولا يحدد مصيره.
أيضًا ستقام محطات طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية بالقرب من أجهزة التحليل الكهربي للحصول على الهيدروجين الأخضر، إما لاستخدامه مباشرة أو كمادة وسيطة لإنتاج الأمونيا الخضراء.
يوصف سوق الهيدروجين العالمي حاليًا، والبالغ حجم انتاجه أكثر من تسعين مليون طن سنوياً بأنه سوق حسب الطلب، بمعنى تصميم وحدات انتاج هيدروجين لتغذية مشروع بعينه، ربما كان تكرير بترول، أو مصنع سماد، أو أي غرض آخر.
أما السيارات الكهربائية، فإن تغذيتها بكهرباء نظيفة يرفع من قيمتها البيئية، ومن ثم تُنشأ محطات الطاقة المتجددة لتغذية نقاط الشحن المنتشرة على الطرق أو في المدن باحتياجاتها من الكهرباء، مع الاستفادة من الشبكة الكهربائية في نقل الكهرباء الخضراء من مواقع المشروعات إلى نقاط الاستهلاك.
من هنا، يحمل الغد صيغًا جديدة لمشروعات الطاقة المتجددة تولي فيه وجهها شطر الحلول المتكاملة. وإن غدًا لناظره قريب.