ظهرت مجلة (ذى إيكونوميست) البريطانية مؤخرًا وعلى غلافها صورة شرائط صَفراء اللون كُتب عليها ما يتعرض له الاقتصاد العالمي من مخاطر؛ فيروس أوميكرون، والركود الصيني، وأخيرًا التضخم.
منذ نحو عامين، ضرب فيروس كورونا الاقتصاد العالمي في مقتل. قاسى العديد من القطاعات جراء الإغلاق التام. سجلت مؤشرات النمو أرقامًا سلبية، أُنفقت مليارات الدولارات على اللُقاحات. سُرح ملايين الموظفين واندلعت العديد من المظاهرات في أوروبا وأمريكا ضد الاجراءات الاحترازية.
ما إن بدأ العالم يلتقط أنفاسه، ويعالج تيبس مفاصله جراء عدم الحركة لفترات طويلة، وتطرد قطاعات التنمية كسلها، تواترت الأخبار عن متحور جديد. وبينما جاءت موجة كورونا من آسيا؛ الصين، بدأ أوميكرون رحلته من آخر نقطة عند حافة القارة الإفريقية؛ دولة جنوب إفريقيا. راجعت الدول مواقفها وخيمت ظلال كئيبة. أعادت المختبرات النظر في نجاعة لُقاحاتها. ولا يزال التحوير مستمرًا.
في سبتمبر الماضي، فقدت أسعار شركة (إيفرجراند) الصينية للعقارات أكثر من 80% من قيمتها، مع تراكم مديونياتها إلى أكثر من 90 مليار دولار، يستحق نصفها السداد خلال عام واحد. أوشكت الشركة على الإفلاس، بقي الوضع هشًا حتى مع تدخل البنك المركزي، حيث تتعثر الشركة في سداد التزاماتها. عبرت الأزمة عن تداعيات داخلية لم تظهر على السطح، ربما نجحت مساحيق نشرات التجميل في اخفاء بعضها.
في دولة بحجم الصين، اعتادت لسنوات تحقيق معدل نمو يدور حول 7%، مقرونًا بارتفاع مؤشر مديري المشتريات بالقطاع الصناعي (يعكس مؤشرات التوظيف، والإنتاج، والطلبيات الجديدة، وتوزيع الموارد، والمخزونات)، بما يعني توسع الأسواق ونمو الاستثمارات، عندما ينخفض هذان المؤشران فهذا يعني أن الصين تواجه ركودًا، ومن ثم الاقتصاد العالمي الذي تقوده القاطرتان الأكبر؛ أمريكا والصين بنسب؛ 24,4%، 16,34%، على الترتيب.
يعرف الركود بأنه انخفاض الأنشطة الاقتصادية لعدة شهور، مما ينعكس في زيادة معدلات البطالة وانخفاض أرباح الشركات، لتنخفض بالتبعية السيولة النقدية. وهو أقل وطأة من الكساد الذي تطول مدته مما يهدد العديد من الشركات بالإفلاس، وينخفض الناتج المحلي، مع تدني القدرة الشرائية لدي المستهلكين. أثرت الرقائق الإليكترونية وحدها في تصدع سلاسل التوريد من الساعات الرقمية حتى السيارات.
الصعب أن يترافق الركود مع التضخم، حيث تنشأ علاقة تبادلية، يُزيد الركود نسبة التضخم، والعكس صحيح. توضع الأسواق على أجهزة التنفس الصناعي، وترتفع الأسعار في موجات متلاحقة. ينشأ التضخم جراء الارتفاع المفرط في الأسعار إما لارتفاع قيمة عناصر تكاليف الانتاج أو مستوي الادخار.
لم تسلم دولة من التضخم، تراوح متوسط معدلاته خلال الشهرين الماضيين، أمريكا 6%، ألمانيا 5%، فرنسا 3,5%، كندا 4,5%، بالإضافة إلى أكثر من أربعين دولة أخري تجاوز فيها التضخم حاجز 2,0%.
ضربة ثلاثية تضافرت عناصرها وأصابت الاقتصاد العالمي في مقتل؛ فيروس لا يكف عن التحور والمراوغة، عَصِي على الاستئناس، وضع المزيد من العِصِي في إطارات اقتصاد يبحث عن شهقة أكسجين، ليبطئ حركته مُرغمًا ويضع المزيد من الأعباء المادية على المستهلك النهائي خلاف وضعه تحت ضغط سببه أن تأجيل قرار الشراء للغد سوف يكلفه أموالاً إضافية، بينما هو يعاني من عدم قدرته على الشراء اليوم. قضية معقدة !!.
في معرض تعقيباته القصيرة والبليغة على التضخم، اقتبس الاقتصادي العالمي، الدكتور محمد العريان، رئيس كلية كوينز كامبريدج، البريطانية العريقة؛ تأسست عام 1448، تعقيب قناة CNBC المتخصصة في أسواق المال والاقتصاد، (لدينا ضيف ثقيل في عشاء عيد الشكر هذا العام، مما سيجعله باهظ التكاليف .. إنه التضخم).