كتبت- زينب إسماعيل
بتلقائية بحتة بعيدا عن التكلف والإبحار في تفاصيل المعنى، تنغمس لوحات الفنانة التشكيلية سلوى المؤيد في قعر البساطة لتنتج رسالة إنسانية ترتبط بقضايا مجتمعها المحلي أو المجتمعات الأخرى حول العالم لتنقل فكرة ما لاشعورية تسيطر على أحاسيسها ومشاعرها الباطنية في لحظة ما.
التمسك بقضايا الإنسان ينبع من عملها الصحافي قبل دخولها الفن. فالعالم الآن - بالنسبة لسلوى المؤيد - تسيطر عليه الوحشية والاستغلالية خلافا تماما للفن التشكيلي الذي تندمج الفنانة في عوالمه بحثا عن الجمال والواقعية والإنسان.
ومن خلال لوحاتها التجريدية والانطباعية والواقعية، ترتكز سلوى المؤيد على مفاهيم ثلاثة أساسية لا زيادة عليها ولا نقصان، وهي الصدق والعمق والبساطة. قد تكون هي نفسها مفاهيم الفنان العالمي فان جوخ الذي كان ينتج لوحاته من عمق الألم والبساطة.
هذه الشفافية في المعاني الثلاثة تتأتى من العقل الباطن الذي ينعكس على بياض اللوحة ومساحاتها، تبدأ سلوى الرسم بمعنى لتنتقل إلى معنى آخر مختلف تماما لما هو مخطط له، فاللوحة التجريدية بالنسبة لها بلا خطط وقوانين ونظريات. هي نتاج قلق حاد وشعور داخلي تجاه حدث ما لينتج عنه لوحة تعتمد على الفطرة الداخلية والإلهام، وفقا لسلوى.
وتضيف "الإلهام لا ينطبق على لوحة واحدة فقط أو لوحتين هو اعتياد تام في كافة اللوحات. أنا أرسم بعد الشعور تجاه فعل ما سواء أكان شخصي أو مجتمعي. قد يكون نابعا من اللاوعي. إنه تماما هو".
هذه العفوية لم تكن قصرا على اللوحة، بل حتى دخول الفنانة لمجال الفن التشكيلي كان محظ تلقاء. وتوضح سلوى "لم أكن أتصور يوما أن أكون فنانة إذ لم أكن ذات موهبة. اكتشفتها صدفة ربما لسبب عشقي للفن. خطر ببالي ذات يوم ودون تخطيط مسبق أن أرسم واكتشفت الموهبة. رسمت لوحة بناء على عقلي الباطني، 3 وردات قد تكون ذات ارتباط في المعنى بأولادي الثلاثة. إنه عقلي الباطني الذي يستنبط المعنى في لحظته".
السلاسة تبقي سلوى المؤيد في عالم التجريد والإكريليك، فالتجريد عالم لا متناهي دخلت فيه في العام 2010، ولكن كانت بداية المرحلة مع المدرسة الواقعية ومن ثم الانطباعية.
الوحشية
مؤخرا، شاركت الفنانة سلوى المؤيد ضمن معرض عكاس جاليري بـ 4 لوحات تجريدية تنفتض فيها على النفوس الخبيثة في كافة المجتمعات والتي تهيمن على العالم عبر مؤمرات محاكة ضد المجتمعات البريئة والبسيطة. وتبين سلوى "اللوحات الأربع هي تعبير عن الإحساس الداخلي تجاه هذا العالم الملتوي".
رمزية الوحش أو الإنسان القبيح الذي يكاد يخرج من أطراف اللوحة ويسيطر على غالبية مساحاتها اللونية، كانت هي تعابير اللوحات الأربعة التي اعتمدت الألوان الحارة بشكل تام.
الوحشية تلك هي جزء من انغماسها في قضايا الإنسان، الهدف الأسمى من وراء دخولها المجال الصحافي، المجال الأول في الإبداع الذي انغمست فيه سلوى المؤيد كأول صحافية في البحرين بمعية الزميلة القديرة طفلة الخليفة. حيث انضمت الاثنتان إلى هذا العالم الواسع المتسع في العام 1972 من خلال وزارة الإعلام، في وقت كان هذا المجال حكرا على الرجال فقط. وذلك بعد دراستها للتخصص في جامعة القاهرة باللغة العربية. فضلت العربية- رافضة اقتراح والدها بالدراسة في لندن- لأنها لسان المواطن البسيط على هذه الأرض.
وفي ظل انغماسها بالإنسان، تستخدم سلوى السكين للتأكيد على عمق المعاناة في أغلب لوحاتها. تبرر سلوى استخدامها السكين "كردة فعل تجاه قضايا الإنسان البسيط".
التكرار
ولأن اللوحة ذات عمق لوني حساس، فإن سلوى ترفض رفضا قاطعا تكرار لوحاتها أبدا، كل لوحة لا تشبه الأخرى، وهو فعل نابعٌ من عدم الانغماس في قعر التخصص. البعد عن التخصص ينطبق أيضا على عالم الصحافة.
وتبين سلوى "انتنقل في عوالم الصحافة مثل فراشة للبحث عن ما هو جديد في كل عالم. قد أكتب عن الطفل لوقت ما وأتوقف. وقد أنتج كتب ذات أسلوب سلس غير متعمق في التخصص. أنه الرفض للأسلوب التقليدي والابتعاد عن الإبحار في ذات المضمون".
الكتابة أيضا عند سلوى هي هدف نبيل يعتمد على الإلهام وحالة القلق لدى نفس الكاتب. فعلٌ مقدس لا تمسسه الأيدي العبثة، منغمس في المبادىء السامية وقائم على الاستنباط اللحظي تجاه حدث ما.
وتضيف " الهدف الأسمى لعالم الصحافة هو رفض حالة الفقر ورفع الوضع المجتمعي وكل ما هو غير ملائم على هذه الأرض وفق أسلوب سهل وسلس يصل لكل الشرائح دون تعلٍ".
وتسقط سلوى النفاق والمجاملة عن كل فعل كتابي تقوم به في هذا العالم، مبينة أن الكتابة الصحافية تأتي من بعد الإحساس بالآخر.
وتجزم سلوى أن الصحافة والفن مجالان إبداعيان قائمان على استكشاف الجمال في مواطن الخلل. يبحث كل منهما عن معاناة إنسان، يطوران الفكرة بصورة أكثر إبداعا، لتنتقل تلك المعاناة إلى مرحلة الخلاص.
غير قابل للبيع
اللوحة أيضا – عند سلوى المؤيد- غير متاحة للبيع دائما، وتقول "كنت موقنة أن الفن لا يباع حتى وقت من الزمن بسبب التعلق باللوحة، ولكن تحولت القناعة إلى فعل ممكن، وبات البيع أمرا أكثر سهولة، ولكن أكثر اللوحات يتم التبرع بها لصالح الأعمال الخيرية، كأطفال السرطان".