لا تكاد حياتنا تخلو من مشروع ما، فكل ما نقوم به تقريباً يندرج تحت هذا الإطار، فمن شراء أثاث المنزل إلى بناء أعلى ناطحات السحاب، ومن تحضير وجبة العشاء إلى محاولة إطلاق مركبة فضاء!
الأمر ليس اعتباطاً، بل هو ناشئ عن احتياجات الإنسان ورغباته في هذه الحياة، وعن مدى طموحه في إعمار الأرض وغزو الفضاء وبلوغ أسمى درجات الرفاهية، فالمشاريع هي قصة الإنسان على هذه الأرض، فمن عباس ابن فرناس وأجنحته الريشية، إلى الأخوين رايت وطيرانهما الأول الناجح تتضح الصورة.
المشروع سلسلة من المهام واجبة التنفيذ لتحقيق نتيجة محددة، له بداية ولا بد من نهاية، فهو محكوم بمدة زمنية مؤقتة تُسمى فترة التنفيذ، تتسلل فيها الأحداث المُعرفة سلفاً بطريقة محكمة وسلسلة، تماماً كما في أداء الأوركسترا، فلا تتقدم آلة على أخرى، ولا تتداخل النوتات فيما بينها إلا لغرض اللحن الموضوع.
وكما للأوركسترا قائد، فإن للمشروع مدير قائد أيضاً، يكون هو المسؤول الأول والأخير عن سير العمل، يتولى الإشراف على الجوانب الفنية والمالية والقانونية خلال فترة المشروع. ويعمل ضمن ثالوث الكلفة والوقت والنوعية، فعليه الموازنة بينها، فلا يميل لواحدة فيصيب الخللُ الأخريات، ويشكل فريق عمله بقناعته لا بعاطفته، ويضع كل ذي كفاءة في موقعه، يناقش ويسمع الآراء لكن يبقى هو صاحب القرار الفصل، يضبط ساعته ويوجه بوصلته نحو اليوم المحدد لنهاية المشروع، يعمل على الأهم ثم المهم، يسبق الأحداث دائماً بخطوة.
يقيم المخاطر المرتقبة ويقلل من آثارها، ويضع الخطط البديلة لتجنب التأخير إذا لزم، يعتمد على التواصل المباشر بدل النقل، يدير وقته باتزان وحكمة، قارئ جيد لتقارير سير العمل، ملم بالحقائق والأرقام، باختصار يوم عمله كالنحلة لا يمل ولا يكل.
ومهما بلغت فترة المشروع ومدة تنفيذه فهي تمضي مسرعة ومفعمة بالأحداث، بعيدة تماماً عن العمل الروتيني، فالمتغيرات تحدث يومياً والإنجازات تنمو أمام أعين فريق العمل، ومع كل الدراسات المفصلة التي تتم في مرحلة التخطيط الابتدائية للمشروع إلا أن هناك دوماً مكان للمفاجآت والأمور الطارئة، وهي وإن كانت مزعجة إلا أنها تضفي مزيداً من الإثارة والمتعة على جو العمل، كما تتيح فرص قد لا تتكرر لاكتساب الخبرات وتنمية القدرات، إن العمل في المشاريع جامعة مفتوحة تمنح شهاداتها لمن يرغب في إثبات ذاته. فكل عضو في فريق العمل موكل إليه مهمة محددة، والاختبار في الميدان وأمام العيان. فإما النجاح وإما الفشل