آخبار عاجل

هُنَّ .. بين العشقِ ومدينة الحب بقلم د محمد مصطفى الخياط

12 - 01 - 2022 4:37 499

 


يبدو أن مقال زاوية الأسبوع الماضي (كلهم في العشقِ قيسٌ وكلهنَ في الحبِ ليلى)، قد أثار حفيظة بعض قارئات فُضليات. يُزين حواشي المقالات بتعقيباتٍ ترسم أبعادًا جديدة؛ منها ما معناه؛ إنكارُ أن مرتبة الرجال في الحب أعلى منها عند النساء. وتساءلن، أيعشق الرجل ويتيه بمحبوبته وتكتفي المرأة بحبٍ عابرٍ لا تلبث أن تنساه في خضم واجباتها المُقدسة ومشاغلها اليومية، بين زوج كادحٍ وأبناءٍ لا تغيب عينيها عنهم، حتى وإن شابت شعورهم. 

سأل الأصمعي أعرابية عن العشق، فقالت: (جل والله عن أن يُرى، وخفي عن أبصار الورى، فهو في الصدور كامنٌ كمونَ النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى). هذى بلاغة امرأة من نسل الخنساء !.

به فسر يزيد بن معاوية حال الذاهل التائه (أصابك عشقٌ أمْ رُميت بأسهمِ)، وجعله صلاح جاهين زينة الدنيا (أحسن ما فيها العشق والمعشقة/ وشويتين الضحك والتريقة). ومن أجله اتخذ نزار قباني قراره (إني عشقتُكِ واتخذتُ قراري)، ليرحل وما شبع منها ولا منه (زيدينى عِشقًا زيديني/ يا أحلى نوبات جنوني). مُصدقًا مقولة العربي القديم (إن لم يكن العشق طَرْفًا من الجنون، فهو عصارةٌ من السحر).

أما أسبابه، فحسبنا ما ذكره الأخطل الصغير (بشارة الخورى)، (إن عشِقنَا فعُذرُنا أن في وجهنا نظر)، تأكيدًا لقول المتنبي (وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ/ وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ).

(في الحب لا يملك أحد ترف الاختيار. محبة القلب لا تخضع لقوانين الهندسة التى سيطرت على تفكيرنا ولا لضوابط الطبيعة التراتبية المملة ولا قانون الجاذبية الذى حبسنا فيه نيوتن؛ قد تحبُ شخصاً ترفضه الدنيا بأسرها، لكنك وحدك تقبله ولا تستطيع التخلي عنه. باختصار، لا اختيار في الحب)، اقتباس من رواية (مايا).

يتخذ العقل كل القرارات إلا قرار الحب، ينفرد به القلب. ديكتاتور متسلط. تخلت الأميرة اليابانية (ماكو) عن حقوقها لتقترن بشابٍ من عامة الشعب. ومن قبل، تنازل الملك إدوارد الثامن عن عرش بريطانيا ليتزوج أمريكية، ومؤخرًا فعلها حفيده الأمير هاري بعد زواجه من ميجان ماركل الأمريكية. الاثنتان أمريكيتان. مجرد ملاحظة !. 
من هنا يصعب أن تسمع من محبٍ عن أسباب منطقية لغرامه بشخص ما. إذ يدور الحوار بين مستويين بالغي الاختلاف، محب يتحدث لسانه لغة قلبه. وآخر يعرض كل ما يلقى إليه على عقله، يُقلب وينقب عن أسباب منطقية، ويحاول -قدر جهده- حشر ذلك كله في قوالب رياضية جامدة، ولكن هيهات. لذا قلما تجد بين هذين النموذجين أرضية مشتركة تجمعهما. 
عنون إحسان عبد القدوس إحدى مجموعاته القصصية (عقلي وقلبي)، وعرض في أحد قصصها لمعضلة حب بين طرفين غير متكافئين. وأصدر المستشرق الفرنسي أندرية ميشيل، رواية (ليلى يا عقلي)، وفيها استلهم قصة مجنون ليلى، وكأنه حوار بين قلب وعقل، يميل من شاء إلى جانب قيس، ومن شاء إلى ليلى.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في مسرحيته، مجنون ليلى، على لسانها (أأدركتَ أن السهم يا قيسُ واحدٌ/ وأنّْا كنا كلينا للهوى هدفانِ؟). لم يفرق بينهما، فكلاهما مُصاب. 

وقد صنف العرب الحب إلى نحو اثنتي عشرة قسمًا تراوحت بين الهوى والهيام، يتوسطها العشق كالماسة في القلب، تخطف الأبصارَ بنورها. ذلك أن الهوى ميلٌ نحو المحبوب، والهيام جنون به. ومن ثَمَ، تختزل لفظة (حب)، ذلك كله. 

وعليه، لهنَ أقول، إن كان نصيب قيسٌ عشق، فحسب ليلى وصويحباتها أنهن ملكن مدينة الحب بإنسها وجِنِهَا.


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved