آخبار عاجل

هوامش مناظرة ماكرون – لوبان بقلم د محمد مصطفى الخياط

28 - 04 - 2022 7:15 467

انقضت انتخابات الرئاسة الفرنسية وصدقت التوقعات. فاز إيمانويل ماكرون بفترة رئاسة ثانية تبدأ من على شفير عالم مضطرب؛ ضبابيات فيروس كورونا وتباطؤ النمو العالمي، الغزو الروسي لأوكرانيا وكرة نار عَلِقَت بثوب أوروبا، القلق من استدامة إمدادات الطاقة وكوابيس تصلب شرايين اقتصاد يجاهد للحصول على دفقة أكسيجين.

 

كانت الجولة الأولي قد انطلقت في 10 أبريل، تقدم فيها ماكرون بنحو 4%، على مرشحة "التجمع الوطني"، مارين لوبان، مُلامسًا نسبة 29%، فيما تفتت أصوات باقي الناخبين على عشرة مُرشحين آخرين.

 

طبقًا للقواعد، أُجريت مناظرة تليفزيونية استغرقت قرابة الثلاث ساعات بينه وبين منافسته الأقرب قبل أربعة أيام من انطلاق الجولة الثانية في 24 أبريل، عرض كل منهما وجهة نظره في كل ما يهم الناخب الفرنسي؛ التعليم، الصحة، الرواتب، إعانات البطالة، القدرة الشرائية للمواطنين، المهاجرين، الحجاب، دور المسنين، الاتحاد الأوربي والبريكست، الطاقة، وغيرها.

 

أثناء المتابعة، وجدتني أُسَجل عدة نقاط على الهامش؛ أَوَلُهَا ليا سلامة المذيعة بالقناة الثانية الفرنسية، التي أدارت المناظرة بالتناوب مع زميلها جيل بولو. هاجرت ليا مع والدها السياسي البارز غسان سلامة هربًا من الحرب الأهلية اللبنانية وحصلت على الجنسية الفرنسية عام 1990، وهي بعمر الحادية عشر. مفارقة أن تتولي مهاجرة محاورة سيدة تجاهر بعنصريتها وعدائها لذوي الأصول العربية.

 

لا تكف السماء عن إرسال إشارتها. وعلينا دائمًا أن (ننتبه للإشارات)، كما يقول باولو كويللو على لسان سانتياجو بطل رائعته الخيميائي.

 

ثانيها، استخدام كلا المرشحين بيانات دقيقة، لم يشكك طرف في صحة رقم ذكره منافسه، نسبة العاطلين، التأمين الصحي، مستويات التعليم، والتضخم الذي تخطى 5%، والحد الأدنى لمعاشات التقاعد البالغ 980 يورو شهريًا ورغبة ماكرون رفعه إلى 1100 يورو. شفافية ووضوح.

 

وتمثلت النقطة الثالثة في عدم تردد ماري لوبان في الإشادة بسياسة غريمها تجاه الحرب الأوكرانية الروسية، لم تُكابر وتخترع له اتهامات باطلة. لقد تابع الجميع سعي ماكرون احتواء الموقف واقتراح الحلول، وكذلك مراجعاته المتكررة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كان صوت أوروبا القَلِقْ. 

 

أما الرابعة، فبخلاف وقائع مناظرة جو بايدن ودونالد ترامب، خلال حملة الانتخابات الأمريكية الماضية، وتبادل الطرفين الاتهامات بالكذب، لم يصف أي من مارين أو إيمانويل الآخر بالكذب. استخدمت عِوَضًا عنها لغة دبلوماسية من قبيل؛ "ليس صحيحًا"، "كلام يخلو من الدقة". ربما يرجع ذلك لاختلاف الثقافات بين البلدين.   

 

النقطة الخامسة، حيادية ليا وجيل وقدرتهما على ضبط النفس وتوجيه الحوار نحو النقاط الساخنة وتلافي فخ الإسهاب، كانا أقرب إلى الميقاتي في الملعب، يحددان زمن إجابة كل سؤال، وبصرامة يوقفان المتحدث إن تخطاه، ولعدم التمييز بين المتنافسين خاطبا كل منهما باسمه مجردًا من الألقاب، فالرجل الجالس أمام مارين ليس الرئيس، بل مرشح للرئاسة.

 

وأخيرًا المكاشفة دون خجل، فماكرون الذي وصفه البعض بتحيزه للأثرياء على حساب الطبقات الاجتماعية الأقل، عبر إلغاء الضرائب على الثروة، وخفض إعانات المساكن، لم يتعنت في الدفاع عن سياسته وتبريرها، بل بادر مؤكدًا أهمية مراجعتها والعمل على تطويرها، وكذلك فعلت لوبان في بيان الحاجة إلى تخفيف النظرة المتوجسة للأجانب، والتأكيد على سيادة الدستور وحرية التعبير عن الرأي.

 

لا شك أن المناظرة كانت درسًا في فنون إظهار مواطن القوة الشخصية وملامح ضعف الخصم، وكذلك في استعراض فضاء الحرية الرحب. ما أن أُعلنت نتيجة التصويت حتى بادرت مارين بالإقرار بهزيمتها وشكر مؤيديها والتزامها باستكمال مسيرتها السياسية. فيما قبض ماكرون على كف زوجته وراحا يتلقيان التهاني ويستعدان لاستئناف العمل الشاق.

 

 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved