يُروى أن الرئيس أنور السادات قال ذات يوم (إذا حلمت ما تحلمش قوي، ليرجع حلمك يتحقق وتبقى مشكلة)، لم يتخل السادات يومًا عن حلمه. عاش له وهو ضابط، وخبأه في صدره عندما اعتقل، واستكمله بعد هروبه وعمله عتالاً على سيارة نقل، وبعد إعادة اعتقاله على خلفية اغتيال أمين عثمان، وزير المالية في حكومة الوفد، ثم بعد الإفراج عنه وعودته للجيش عام 1950، بعد نحو عشر سنوات، ثم بعد قيام الثورة وما تلاها من صعود وهبوط بلغ أقصاه في نكسة يونيو 1967.
ربما لتكوينه الشخصي والفكري استطاع السادات القبض بأسنانه على حلمه وبحنكته السياسية ودهائه حوله لواقع. ما يستحق الوقوف عنده أيضًا إيمان السيدة جيهان به، عرفته في فترة التيه والبحث عن الذات؛ ضابط مفصول متزوج ولديه ثلاثة بنات، ويكبرها بخمسة عشر عام. جذبتها كاريزما رجل يتحدث عن المستقبل بزمن الحاضر فأيقنت أن له شأن كبير. وصدق حدسها.
في معرض تعليقها على روايتها "القطائع .. ثلاثية ابن طولون"، تصف الدكتورة ريم بسيوني أحمد ابن طولون بأنه (أكثر من حَلَم من الحكام). رأي في المنام أنه يحكم مصر، فتمسك بحلمه حتى نجح في تأسيس الدولة الطولونية، وبنائه لمدينة القطائع، المدينة البوتقة التي صهرت كافة الأجناس دون تمييز، ومسجده القائم حتى الآن، رمزًا للخلود.
تستطرد ريم، (بدأ حلم استقلال مصر مع الدولة الطولونية، فأصبح حلم أحمد بن طولون بطل الرواية، بينما مَثَلَ المسجد الحلم في وجود تواصل إنساني بين مجموعات من البشر دون أية خلافات).
إنسانيًا، هناك من فسر حلمه وراح ينسجه واقعًا، وهناك من عاش يبحث عن تفسيرٍ له حتى عاينه حقيقة فأدرك المغزى. تكررت ذات الرؤيا للصحابي سعد بن أبي وقاص (595 – 674م)، ولم يدرك مغزاها، حتى قاد جيش المسلمين لملاقاة الفرس في القادسية فظهر عليهم وعندما هربوا إلى المدائن عبر نهر دجلة خلفهم على ظهور الخيل جاعلاً الإبل في المقدمة، حينها أدرك مغزى الرؤيا، (الخيل العراب تسبقها الإبل الصعاب).
أيضًا، هناك من يحلم لنفسه، وهناك من يحلم لنفسه وبلده. قَدِمَ محمد على إلى مصر على رأس الكتيبة الألبانية التابعة للدولة العثمانية، وسرعان ما ظهر نجمه وتقرب إلى وجهاء البلد، حتى إذا ما قامت ثورة شعبية عارمة (1805 م) على الوالي خورشيد اختاره زعماء الشعب ليجلس مكانه، واستمر حتى وفاته عام 1849، وأسس الأسرة العلوية. رسم حلمه بريشة دهائه فصار واقعًا بأعماله.
ولعل أشهر الرؤى، رؤيا سيدنا يوسف (عليه السلام) وما قَصهُ علي أبيه بشأنها، فيطلب منه الأب كتمانها بعد ما فك رموزها، ورغم ذلك كابد يعقوب النبي (عليه السلام) عذابات فقد ابنيه، حتى ابيضت عيناه، وإن لم يتزعزع يقينه بلم الشمل، وتتوالى الأحداث حتى يأتيه البشير فينكشف مرضه ويجتمع بأبنائه جميعًا لتتحقق الرؤيا.
ومن الحلم تُصنع الحياة، (لو بطلنا نحلم نموت)، كما غناها المطرب محمد منير، وفي عام 1963 أطلق الأمريكي مارتن لوثر كينج صيحته الشهيرة (لدى حلم I have a dream) في وجه العنصرية الأمريكية، مطالبًا بالمساواة في الحقوق بين البيض والسود، وفي رواية الخيميائي يوصى الحكيم الفتى سنتياجو قائلاً (عندما تؤمن بشيء ما، فإن الكون بأسره يتحالف معك لتحقيقه)، بمعني آخر يصبح حلمك حقيقة.
وبين قوسي حلم يتحقق المستقبل، حلم نوم كان أو يقظة، الأول تسير أحداثه كفيلم سينمائي، دون تدخل منا، والثاني نغزله بأمانينا، ويبقي المستقبل مرهونًا بالسعي الدؤوب صوب أحلامنا وأن يتسع صدر الواقع لتلك الأحلام.