بقلم /محمد مصطفى الخياط
تلقيت دعوة كريمة لحضور احتفال السفارة البريطانية بالقاهرة باليوبيل البلاتيني لجلوس الملكة إليزابيث الثانية على العرش. سبعون عامًا مرت منذ تولت مقاليد الحكم عام 1952. شابة لا يتجاوز عمرها السادسة والعشرين تحكم إمبراطورية عجوز خرجت من الحرب العالمية الثانية وقد تغيرت خريطة القوي العالمية. انكمشت حدود لم تكن تغرب عنها الشمس، فيما راحت الولايات المتحدة الأمريكية تتمدد.

انشغلت أوربا بتضميد جراحها ومحاولات الاصطفاف تحت راية واحدة، عُرفت فيما بعد بالاتحاد الأوربي، شاركت فيه بريطانيا على استحياء، من دون تغيير عملتها الوطنية، تكريمًا للسيد استرليني، ثم ما لبثت –على إثر استفتاء شعبي عام 2016- أن غادرت الاتحاد إلى غير رجعة عام 2020 على يد رئيس وزرائها الحالي؛ بوريس جونسون. 

إلى جانب الرياح والأعاصير السياسية، فرضت البراكين العائلية نفسها على العائلة المالكة في ظل أجواء مشحونة بين القصر والصحافة. زواج ولي العهد الأمير تشارلز من أميرة القلوب، ديانا، ثم الانفصال وتبادل الاتهامات. مقتل ديانا ودودي الفايد. تورط الأمير آندرو في قضايا أخلاقية. عزوف حفيدها الأمير هاري وزوجته كيت ميجان عن الحياة الملكية وتناوب الإقامة بين كندا وكاليفورنيا. 

تحتفل الدول بقوتها الخشنة يومًا، وبقوتها الناعمة كل يوم. لم يتضمن الفيلم الوثائقي القصير عن الملكة مشهد انتصار عسكري، تتابعت لقطاته تسجل زحف الأيام على ملامحها ودأبها على توطيد العلاقات مع كافة الدول، رسالة محبة. 

كعادته، رافقت كلمة ترحيب السفير البريطاني بالقاهرة؛ (جاريث بايلي)، تلميحات ذكية باللغتين العربية والإنجليزية، داعب ضاحكًا في إحداها نظيره النمساوي، (جورج شتيلفريد)، متوعدًا إياه أنه سيتفوق عليه ذات يوم في تعلم اللغة العربية. حين تسمع جورج لا يساورك شك أنه مصري أبًا عن جد، خاصة عندما يتحدث عن شغفه بمشاهدة مباريات الزمالك في المقاهي وسط أجواء احتفالية، حتى لو خسر !!.

(إنه الحب يا سادة)، قال (بايلي)، ثم تتابعت مسبحة سرده على ذات الإيقاع؛ (رباعي الخنافس البريطاني في سبعينيات القرن الماضي وأغنيتهم الشهيرة It's only love”"، الكولومبي جابريل جارثيا ماركيز وروايته "الحب في زمن الكوليرا"، بإسقاطها على واقعنا اليوم يمكننا القول "الحب في زمن تغير المناخ").

لماحٌ هو سيادة السفير، عُقد العام الماضي مؤتمر الأطراف السادس والعشرين بمدينة جلاسجو، تحت رعاية بريطانية تستمر حتى تسليم الشعلة لمصر في نوفمبر القادم بشرم الشيخ.

تكسب الدول بقوتها الناعمة ما تعجز عن الحصول عليه بالحروب. الكُتاب، المفكرون، العلماء، الرياضيون، المدرسون، المهندسون، الأطباء، وكل صاحب حرفة يتقن عمله، قوة ناعمة لبلده.

بخفه ومهارة تنقل (جاريث) بين رموز مصر؛ نجيب محفوظ وروايته "الحب فوق هضبة الهرم" والتي تحولت إلى فيلم بطولة أحمد زكي وآثار الحكيم.

السير مجدي يعقوب، أمير القلوب، الذي أكد أن تأسيس كيانات علمية مرموقة أمر ممكن شرط توافر الرؤية الصحيحة والتزام المنهج العلمي. مئات العمليات الجراحية يجريها مركز القلب بأسوان دون صخب إعلامي، ناهيك عن تمدد قوته الناعمة إلى قلب القارة الإفريقية.

سيد درويش (في الدنيا الكبيرة/ وبلادها الكتيرة/ لفيت لفيت/.. سالمة يا سلامة). داليدا وأغنية (كلمة حلوة وكلمتين/ حلوة يا بلدي/..).

محمد صلاح، الملك كما وصفه السفير، وما يملكه من ذكاء اجتماعي جعله يؤثر في محيط عابرٍ للقارات. نموذج لتحول طفل مجهول الاسم والعنوان إلى عَلَم. 

هل ساعد المناخ الأوربي صلاح أم أن صلاح منح المناخ صِبغة إيجابية. سؤال أخير سيدي القارئ، تُرى كم ألف صلاح مرق من أمام عيوننا ولم ننتبه له.