تشغل آليات تحول الطاقة أذهان الخبراء المتخصصين ومتخذي القرار على السواء وتتلبسهم حيرة. عديدة هي التوجهات. مختلفةٌ هي الحلول حد التشابك.
وقُبَيل مناقشة الحلول يتعين علينا الإلمام –على الأقل- بخريطة الطاقة العالمية؛ يتصدر الفحم انتاج الكهرباء بأكثر من 37%، يليه الغاز الطبيعي 24%، ثم البترول بنحو 3%، وتشارك الطاقات المتجددة (مائية، رياح، شمس)، بأكثر من 26%، والطاقة النووية 10%.
تستدعي آمال كبح جماح تصاعد درجة حرارة الكون -جراء حرق المصادر الأحفورية- استبدال حوالى 75% من مصادر الكهرباء الملوثة للبيئة بأخرى نظيفة. هدف يقترن بتقنيات ما زالت قيد التطوير، أكثر من ارتباطه بوفرة الموارد.
كان مؤتمر الأطراف السادس والعشرين، COP 26، المنعقد في جلاسجو العام الماضي، قد تبنى آلية (الخفض) التدريجي للفحم، بعد ما باءت محاولات إقرار آلية (التخلص) منه بالفشل، بعد معارضة الهند والصين.
على هامش المؤتمر، أُطلقت مبادرة الشبكات الخضراء The Green Grids Initiative، بحضور رئيسي وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، والهند، ناريندرا مودي، أعقبها جلسة وزارية ضمت تنوع من وزراء الطاقة والبيئة والخارجية بالعديد من الدول، تلاها جلسة نقاش، أدارها Nick Dunlop الأمين العام لبرلمان المناخ العالمي، طارحًا سؤال كيف نحصل على كهرباء نظيفة تصادق البيئة ويشجعها الاقتصاد.
اقترح ويليام بلايث، بمكتب الكومنولث للطاقة والبيئة، ثلاثة محاور للعمل. الأول فني بحت ويرتبط بطبيعة الموارد، المتجددة نفسها وتأثيرها على امدادات الطاقة، إذ تتعرض خلال فترات الانتاج لتحديات ترجع إلى مثل تغير معدلات الإشعاع الشمسي وهبوب الرياح، ومن ثم تتأثر انتاجية المشروعات صعودًا وهبوطًا، وعليه اقترح البعض تصميم شبكات صغيرة متجددة - تتناثر كالعناقيد- مع ربطها بشبكات الكهرباء العملاقة لتحقيق استقرار التشغيل.
ويُعنى المحور الثاني بالتمويل عبر إصدار سندات بيئية توجه عائداتها إلى مشروعات تحول الطاقة بشكل أساسي، خاصة مع تخمة أسواق السندات العالمية وتجاوز قيمتها سقف المائة تريليون دولار.
بينما يركز المحور الثالث على الدعم السياسي من جانب الساسة ومتخذي القرار، لتتحول الأفكار إلى واقع عملي يُذيب جليد البيروقراطية، وطرح أفكار من فضاءات البحث العلمي والأوساط الأكاديمية يتبناها السياسيون، في منهج أشبه بالتفكير بالوكالة.
ليظل التحدي مرهونًا بنوعية الحوافز المطلوب طرحها من جانب الحكومات لحث المستثمرين والمؤسسات على الاستثمار في تخضير البنية التحتية للطاقة.
من جهة أخرى، يحذر سيرجيو تشيلي، الروائي والأستاذ بجامعة ستانفورد، بأن ما واجهه العالم من أزمة جراء فيروس كورونا، كان مجرد بروفة صغيرة لما يمكن أن يحدث عند مواجهة أزمات أكبر، مثل تغير المناخ، (لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية قد اشتعلت بعد، والتي أثبتت أنها كفيلة بتجميد الاقتصاد العالمي وتعريضه لحال ركود تتشابه –وربما تفوق- ما عاشه العالم أواخر الثلاثينات، وأطلق عليه الركود الكبير).
ويؤكد سيرجيو أن القضية لا تتعلق بتوافر الموارد الطبيعية، حيث أشارت العديد من دراسات مؤسسات التمويل، امكانية تلبية الطلب العالمي من المصادر المتجددة بنسبة مائة في المائة، حتى مع استثناء المصادر المائية الكبرى وأخذ معدلات النمو السنوية في الاعتبار.
بينما تري لوسي بيرسون، مديرة برامج برلمان المناخ، أن المبادرة تستوعب كافة الجهود ذات الصلة بالطاقة المتجددة الهادفة إلى عالم واحد مدعوم بالطاقة النظيفة، يحتاج تناغم أداء مجموعات العمل المختلفة للوصول إلى ذات الهدف، مقرونًا بخلق فرص عمل.
وفي النهاية، تحشد المبادرات الجهود صوب أهداف محددة، وتظل العبرة بمدى ما تتمتع به تلك المبادرات من مستويات مرونة تؤهلها للتفاعل مع متغيرات السوق وتحدياته، فهل نجد لأمثال تلك المبادرات صدي في قمة شرم الشيخ، نوفمبر القادم.