الصوغة هي الهدية التي يحملها الزائرون إلى أصدقائهم أو معارفهم أو أهلهم الذين يزورونهم في أوطان غير أوطانهم وأحيانًا في الوطن الواحدٍ.
وعادة هذه الصوغة تتسم إما بالندرة أو بالحلاوة أو ما يتميز به الوطن الذي خرجت منه، والصوغة لها مكانة خاصة في نفوس المهدي والمهدى إليه.. كانت الزيارات في مجتمعنا متواصلة فأهل المحرق يزورون الأهل في المنامة والقرى الأخرى، وأهل المنامة يزورون الأهل في المدن والقرى الأخرى، وأهل الرفاع يزورون الأهل في المحرق والمنامة والقرى الأخرى، وكذلك أهل الحد.
كان المجتمع البحريني وقتها ينتهز فرص العطلات والمناسبات فيتم التزاور باستخدام الحافلات الخاصة بنقل الركاب بدءًا من الباصات الخشبية أو استخدام سيارات الأجرة الصغيرة، والبعض يفضل المشي على الأقدام خصوصًا إذا كانت المسافات قريبة، بل إن بعض الرجال يفضلون المشي وإلى مسافات طويلة..
تختار النساء الصوغة التي تناسب السيدات والآنسات وبالسليقة كن يدركن الصوغة المناسبة لهن والتي تلقى قبولًا ورضى للنفس والخاطر، وكذلك كان يفعل الرجال، فهم يعرفون نوع الصوغة التي تناسبهم، وهناك صوغات تناسب الأسرة جميعًا، ومنها على سبيل المثال الحلويات وأنواع الرطب أو التمر، والملابس الرجالية أو النسائية.. ويوصف من يحمل الهدايا (الصوغة) إلى زائريهم بأنه لا يأتي ويده خالية، أو كما نقول في لغتنا العربية (خالي الوفاض)، ونحن أطفال نفرح بالصوغات التي يجلبها إلينا الأهل. لقد تفنن أهلنا في المدن والقرى بالصناعات اليدوية التقليدية ومعروف لديهم ما يجلبه مثلًا أهل المحرق وأهل المنامة، وأهل الرفاع وأهل الحد، وكذلك القرى الأخرى في أنحاء البحرين، ناهيك عن الهدايا (الصوغات) التي يجلبها أهلنا من دول خليجنا العربي وبعض الدول العربية.
الصوغة هي في رمزيتها وليست في قيمتها المادية، فهي عنوان للمحبة والإيثار ومد جسور الود والمعروف بين الأهل والأصدقاء..
نحن اليوم بحاجة إلى التذكير بقيمة الصوغة معنويًا في نفوسنا، نعم تغيرت الهدايا وأصبح التليفون النقال بأنواعه وماركاته مرغوبًا ومطلوبًا من الزائرين، وأيضًا (اللب توب) بماركاته والطاقة التخزينية له. وتكلفة هذه الأجهزة اليوم لا تقاس بتكلفة (صوغات زمان) ولكن تبقى المعاني والأهداف واحدة، فنحن بحاجة بالفعل إلى تطييب الخواطر، والأخذ بأسباب إدخال السرور والبهجة إلى النفوس فقد تعقدت الحياة وأصبح القول الجميل مطلوبًا وجلب الهدايا تعبيرًا عن الوفاء مرغوبًا، وقول الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه (تهادوا تحابوا) تقع في النفس والقلب بلسمًا وشفاء..
الصوغة في زماننا مستمرة وإن اتخذت أشكالًا وقيمة، ومهما بالغ البعض فإن رمزية الصوغة لا تتغير، ونحن في هذا التغيير لا بد لنا من أن نؤكد على أهمية التواصل بيننا وأن نعبر عن هذا التواصل بكل القيم التي تجمعنا ولا تفرقنا، والقول الطيب والسلوك السوي هو من أهم وأبلغ الصوغات التي نرسلها لمن نحب، وأن يكون التواصل بيننا من خلال الزيارات المباشرة أهم وأبلغ من التواصل الهاتفي أو التواصل من خلال وسائل التواصل الحديثة وإن كان هذا من تقنيات عصرنا التي لا بد لنا منها، ولكننا مسؤولون كأجداد وآباء عن هذا التواصل الحميمي بين أسرنا وأهلنا والانتقال جسديًا من بيت إلى بيت في تزاور أسبوعي أو يومي أو شهري أو غير ذلك بالنسبة للأماكن البعيدة، فوسائل المواصلات أصبحت ميسرة، وأهمية تعرف الأبناء والأحفاد إلى أهلهم وذويهم من الأمور الحيوية والمرغوبة والمفروضة فنحن بذلك نبذر بذرة التواصل بين الأهل منذ الصغر وتعويدهم على التواصل مستقبلًا مع أفراد مجتمعهم، فالصلات المجتمعية تخلق التفاهم والتعاون بين أفراد المجتمع وتغرس روح التفاؤل والأمل في نفوس المواطنين المعنيين بالحفاظ على هذا الوطن وترسيخ قيم الولاء والوفاء للبناء والتعمير وخلق فرص البذل والعطاء من أجل خير الوطن وأهله.
سنظل نتطلع إلى كل ما يجمع شملنا ويوحد كلمتنا ورمزية صوغة من الوطن تغرس فينا الحب والتضحية والولاء والوفاء لهذا الوطن العزيز.