في روايته (واحة الغروب)، واصل الكاتب المصري بهاء طاهر إبحاره في العلاقة المركبة بين الشرق والغرب، من خلال الضابط محمود الصادر بحقه –بنهاية القرن التاسع عشر- تكليف تولي منصب مأمور القسم. يصطحب معه زوجته الأيرلندية، كاثرين، المسكونة بحب الآثار المصرية وشغف العثور على مقبرة الإسكندر الأكبر، في رحلة امتدت عبر الصحراء لأكثر من خمسمائة كيلومتر على ظهور الجمال.
كانت الواحة لكليهما بيئة غريبة بتضاريسها وعاداتها وتقاليدها وطقوسها، لمحمود كانت مصدرًا للنفور، اقترن بقرار إبعاده عن القاهرة جراء مناصرته الثورة العرابية وشعوره بالحنق تجاه كل ما يمت لعمله بصلة.
ولكاثرين، كانت الواحة سحرًا جديدًا تتعرف عليه للمرة الأولى، تمتد كثبانها الرملية على مدى العين ببيوتها البسيطة المبنية بالطوب اللبن ونخيلها وحدائقها. بقعة خضراء مقطوعة في قلب الصحراء. طبيعة مغايرة لما ألفته في أوروبا الغارقة في الثلج والبرد.
نظرتان متباينتان للواحة بتفاصيلها الجغرافية.
الغروب كان الفعل الثابت في تفاصيل الرواية، غروب الثورة العرابية. غروب العلاقة بين الشرق والغرب وصعوبة استمرار الحياة بين رمزيها؛ محمود وكاثرين. غروب علاقة محمود بالحياة ومعاناته المستمرة مع أهل الواحة؛ الشرقيين والغربيين. وغروب العثور على مقبرة الإسكندر الأكبر. وأخيرًا غروب سلطان الشيخ يحيى عن قبيلته.
رحلة طويلة للبحث عن الذات عَبَرَ عنها بهاء في روايته استكمالاً لما بدأه الآخرون، توفيق الحكيم في (عصفور من الشرق)، والكاتب العراقي سعد محمد رحيم في روايته (مقتل بائع الكتب)، والكاتب السوداني الطيب صالح في (موسم الهجرة إلى الشمال)، ويوسف إدريس في (البيضاء)، وغيرهم.
في أجواء تشابه مناخات الواحة، دارت أحداث روايته (خالتي صفية والدير)، حربي الذي حرقه حبه، فكان جزاؤه الجلد من خال أغلق أذنيه عن توسلاته، (أنا حربي يا خال). حربي الذي خطب له زوجته (صفية)، جميلة القرية، وحافظ له على ماله، واحتفل بالمولود ملء صدره والدنيا.
أعطى الخال أذنه للواشين، صدق أن حربي يكره الصغير مخافة ضياع الميراث. وتتطور الأحداث ويعتدي رجال الخال على حربي، تنتهي بقتل الخال والحكم على حربي بالسجن عشر سنوات، ولظروفه الصحية يخرج ليواجه نارًا لا تهدأ في صدر صفية بعد رفضها تلقي العزاء في زوجها حتى تقتص له من قاتله، وأرادت أيضًا أن تثأر لحبها القديم لحربي، ولعمرها الذي ضاع.
في إشارة رمزية للعلاقة الوثيقة بين أهل القرية على اختلاف أطيافهم ودياناتهم، يقيم حربي بالدير في رعاية المقدس بشاي، حتى يتوفى متأثرًا بمرضه.
في كلا الروايتين، يبرز الدور الرئيسي للمرأة لدى بهاء طاهر. الشخصية القوية صاحبة السطوة، صفية وكاثرين. وكذلك تأثره بطفولته في قرية الكرنك وتشابه أجوائها مع مناخات الروايتين.
في محاضرة له بدار الأوبرا المصرية في ذكرى ميلاد الأستاذ عباس العقاد، حضرها نخبة من أعلام الأدب والترجمة في مصر، تحسبه حين يتحدث جدول ماء ينساب رقراقًا، يتوزع ماؤه بين الصخور والطين بسلاسة، ويتنقل بين الموضوعات برشاقة عصفور.
حتى في استفهاماته، كان عفويًا وبسيطًا ومدهشًا، يتساءل في نهاية روايته (خالتي صفية والدير) متذكرًا عادات القرية؛ (هل مازال هناك طفل يحمل الكعك إلى الدير في علبة بيضاء من الكرتون؟)، ويسأل عن عادات الرهبان (هل مازالوا يهدون إلى جيرانهم ذلك البلح المسكر الصغير النوى؟ أسأل نفسي.. أسألها كثيراً). وكعادته يمضى دون انتظار إجابة.
دون صخب، غادر بهاء طاهر دنيانا منذ أيام. تأبط هدوؤه ورحل تاركًا إرثًا قيمًا من الروايات والدراسات حاز به عدد من الجوائز المحلية والدولية.
وسلامًا على بهاء.