في تعقيب على سؤال لي من أحد الصحفيين قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف السابع والعشرين بشرم الشيخ (6 – 18 نوفمبر)، ذكرت بأنني أعول بشدة على الدبلوماسية المصرية في تقريب وجهات النظر والعبور بالقمة إلى شاطئ أكثر استقرارًا، وطريق أكثر وضوحًا.
لأكثر من عقدين من المفاوضات، تتجنب قمم المناخ مناقشة بند (الخسارة والضرر Loss and Damage) -نظرًا لحساسيته وخشية الدول الصناعية تكبد تكاليف مادية عن إساءاتهم التاريخية للمناخ- إلى أن جاء إعلان ميلاد صندوق تمويل الخسائر والأضرار فجر 19 نوفمبر، بعد تمديد أعمال المؤتمر ليوم إضافي لاستكمال المفاوضات.
يُعرِف موقع الأمم المتحدة البند بأنه، (يشمل الخسائر والأضرار الناجمة عن الآثار الضارة لتغير المناخ والمتعلقة بالظواهر الجوية المفرطة الشدة وتلك البطيئة التحقق؛ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة درجات الحرارة، وحموضة المحيطات، وذوبان الأنهار الجليدية، وتدهور الأراضي والغابات، وفقدان التنوع البيولوجي والتصحر).
أدت الانبعاثات المفرطة لغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض لنحو 0,89 درجة مئوية في أكتوبر الماضي مقارنة بنظيرتها في القرن العشرين، بحسب موقع بلومبرج.
استمرار معدلات الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري؛ البترول والغاز والفحم، ينذر بتخطي حاجز درجتين مئويتين بحلول عام 2100، مما ينذر بكوارث بيئية شاملة.
كان مؤتمر الأطراف الحادي والعشرون المنعقد في باريس 2015، قد تبنى عدم تجاوز حاجز 1,5 درجة مئوية تلافيًا للآثار السلبية على الدول الجُزرية والمطلة على بحار، الأكثر حساسية للتغيرات المناخية، ذلك أن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات يُنذر باختفاء اجزاء منها.
الاتفاق على تأسيس صندوق تمويل الخسائر والأضرار خطوة كبيرة في سبيل مساعدة الدول النامية على تدبير موارد مالية تمكنها من مجابهة تبعات تغير المناخ.
اجتاحت الفيضانات والأعاصير العديد من الدول دون تمييز تاركة خلفها مئات الضحايا والمشردين؛ الفلبين، نيجيريا، باكستان، أمريكا، والصين، وارتفعت درجات الحرارة خلال الصيف بأوروبا إلى مستويات قياسية.
في عالم الأعمال، ما إن تصل إلى هدف حتى يظهر أمامك هدف آخر، فتُشمر عن أكمامك بهمة وتبدأ رحلة كد جديدة، وهكذا دواليك. (ليست نهايات .. إنما هي بدايات متعاقبة).
ماراثون جديد تدخله دول العالم كافة، ينتظر أن يشهد الكثير من الجهد والعرق حتى تظهر نتائجه في مؤتمر الأطراف القادم في مثل هذا التوقيت بدولة الإمارات العربية.
منح الإعلان عن تأسيس الصندوق الحق في مناقشة وصياغة المحاور الرئيسية التالية؛ آليات التمويل من قبيل تحديد المصادر، نسب المساهمة، المشاركات الطوعية والإلزامية، والدول المستفيدة مع تصنيفها في فئات طبقًا لمستواها الاقتصادي، ودرجة هشاشة منظومتها المناخية، والحوادث الطبيعية شبه المتكررة من أعاصير وفيضانات وفترات جفاف. فضلاً عن تصنيف حزم الإقراض في شكل مصفوفات تخدم كل منها قطاعًا خدميًا بعينه؛ مثل الزراعة والمياه والطاقة والغابات وغيرها، وترتبط معايير كل حزمة فيها بما سبق من محاور.
رهانات وآمال عديدة تعلقت بمدرسة الدبلوماسية المصرية تحكمها تحركات واعية متوازنة هادئة تستوعب مفردات المشهد. في ذروة المفاوضات ووسط حالة استقطاب واختلاف شديدتين شهدتهما جلسات المفاوضات عصر السبت الماضي، عقد السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري، مؤتمرًا صحفيًا حث فيه الأطراف على بذل مزيد من الجهد، ولسان حاله كله ثقة من الوصول للهدف. كان يريد توجيه رسالة: "لا بديل عن الاتفاق".
ما بدأته الدبلوماسية المصرية تُكمله الدبلوماسية الإماراتية. عام آخر من التعاون المشترك في مجال المناخ يضاف إلى غيره من مجالات التعاون الناجحة بين البلدين الشقيقين.