آخبار عاجل

أول رئيسة تحرير في العالم.. بقلم: سلوى المؤيد

28 - 12 - 2022 1:09 3152

على مر السنوات انطلقت المرأة بخطوات بطيئة تارة، وبخطوات واسعة تارة أخرى، تشق طريقها من أجل تبوء مكانتها في المجتمع، بدأت بطرق أبواب العمل السهلة، ثم طرقت بعزم جميع المجالات، وحققت فيها نجاحات كبيرة.
 وفي الصفحات التالية نتعرض لتجربة من تجارب المرأة في كفاحها العملي، عندما تولت لأول مرة رئاسة تحرير مجلة في أمريكا. 
                                       
لم تكن "سارة هال" تعتقد إنها ستكون أول رئيسة تحرير في العالم لمجلة أصبحت بفضلها من أقوى المجلات في عصرها، عندما سلمت قصائدها إلى أحد أصدقاء زوجها بعد وفاته ليجمعها في ديوان، لأنها كانت بحاجة إلى المال لتنفقه على أبنائها الخمسة. 
   
البداية كانت تمهد لبروز هذه الموهبة الخلاقة، القراءة تشغل معظم وقتها، والكتب حولها قليلة بالقياس إلى تعطشها الشديد إلى العلم، فتتجه إلى أخيها" هوارشيو " لكي يلقنها ما يتلقاه من علم في كلية الحقوق، ويتجاوب معها ليتبعه بعد ذلك زوجها دافيد في قضاء ساعتين معها كل يوم للقراءة والمناقشة والكتابة، إلا إن القدر كان قاسياً فحرمها من قلبه الحنون الدافئ، وتركها تواجه وحدها الحياة مع أبنائها.

وتابعت سارة رحلة الكتابة، وانغمست في كتابة قصة لاقت رواجاً يشبه رواج ديوانها الأول وعرف الناس اسم " سارة برنار" الأديبة، ويزداد إلحاح السيد بوتنام لتذهب معه إلى بوسطن وتبدأ معه في تحرير مجلته، فتوافق وتفكر في إصدار أول مجلة نسائية .
كانت تعلم إنها فكرة جريئة جداً إلا أنها ضرورية وواقعية، الخوف لابد منه في البداية، إلا أنها تغلبت عليه وأخذت تركز كل اهتمامها بعد أبنائها على عملها، تراقب وتسأل عن كل من يهتم  بالتجديد وعدم الاقتباس من المجلات الأخرى، ولا يهمها أن تدفع بقدر ما يهمها الإبداع في ابتكار أفكار جديدة تطبقها بإتقان، وكانت خطوة جريئة عندما قررت أن تكتب أسماء المؤلفين صريحة، بدل اختفائها تحت أسماء مستعارة، وأدخلت أبوابا تخص الجنسين أثارت ضجة كبيرة، وهي في سعيها المخلص لا تأبه بما يقال عنها مادامت مؤمنة بأن ما تفعله فى صالح مجتمعها، وهاهم أبناؤها يكبرون، دافيد أصبح ضابطاً، وهوارشيو يدرس في جامعة هارفارد والنفقات تزداد ثقلاً، مما يتطلب منها أن تضاعف الجهد لتتمكن من الإنفاق على دراستهم، فكرت في نشر قصائد لها كانت قد كتبتها للأطفال، فانتشرت القصائد انتشاراً كبيراً وظلت أغنية "خروف العيد "على أفواه الأطفال حتى اليوم.
وواصلت سارة نضالها الصحفي، طالبت بإعطاء المرأة فرصة العمل وسعت إلى التعليم الإجباري، واهتمت بمشاكل البحارة وحياتهم البائسة، ففكرت في إنشاء جمعية لمساعدة هذه الأسر ،حيث تبيع ما تنتجه النساء ليعود المال إليهن، ورغم معارضة التجار واصلت مشروعها بإصرار، وعملت على إيجاد مساكن لهم بأجور زهيدة، وفتحت أبواب مجلتها لأراء المرأة ومطالبها، وشجعتها على دخول ميدان الطب، وافتتحت مدرسة مهنية للأطفال ودار حضانة لأطفال العاملات كما أسست عام 1836 مكتبة عامة لتشجيع الناس على المطالعة، كانت حياتها حركة دائبة من أجل الغير، لذا ازداد إقبال الناس على مجلتها وكتبها الأدبية، ويقسو القدر عليها مرة أخرى وهي تستعد لتخطو خطوة أخرى تتسع بها أعمالها كثيراً في عالم الصحافة، إذ يخطف الموت ابنها دافيد في إحدى رحلات الجيش وتنهار أمام واقع المأساة، وتجد في الانتقال إلى فيلادلفيا مقر الجريدة هروباً من ذكرياتها الأليمة، وتتغلب على أحزانها بالعمل والانغماس في خدمة الوطن، كان الناشر غودى قد اشترى دار النشر من المستر بوتنام، وبدأت عندها صداقة عميقة أساسها التفاهم فأنتجت أفضل الأعمال الصحفية. 
فكرت سارة في أن تدخل العنصر النسائي في المجلة ليقمن  بتلوين الرسوم وأصبحن عنصراً أساسيا في بعض فروع أعمالها.  
 وكان الصراع على أشده بين مجلتها ومجلة الجنتلمان، عندما كان عقلها لا يتوقف عن ابتكار أفاق جديدة، أقامت مباريات في مجلتها لتشجيع مخترعي الأدوات التي تخفف عن المرأة أعباءها فساهمت مساهمة فعالة في انتشار ماكينة الخياطة، وإيجاد أول ماكينة للغسيل، ورغم ارتفاع عدد قرائها إلى الأربعين ألفاً إلا أنها لم تتفوق بعد على مجلة "الجنتلمان "، وأدخلت باباً جديداً يتعلق بالملابس الداخلية للمرأة، فأثار ضجة كبيرة ارتفعت بعدها قراءة مجلتها إلى أن تجاوزت المجلة المنافسة، لم يكن وقت سارة مشغولاً كله بالمجلة؛ إذ إنها ركزت اهتمامها أيضاً على الإصلاح الاجتماعي خيث وقفت ضد الأساليب القديمة في الدراسة وظلم الأحداث والأجور الزهيدة للعمال، وعملت من أجل تحسين مساكنهم، وساندت الشخصيات النسائية المناضلة مثل فلورانس نايتنجل في ميدان التمريض، واليزابيث بلاكويل وهي تخوض معركتها لتدرس الطب .
كان نشاط رئيسة التحرير سارة لا يهدأ،  والإعجاب والتقدير ينهال عليها لبراعتها وذكائها في تنفيذ أي مسئولية صحفية تناط بها، ولمشاركتها الفعالة لآلام الغير، وسعيها الدائم من أجل إدخال السعادة إلى قلوبهم، الحب يعطينا طاقة هائلة للعمل والتفوق وبالذكاء والإخلاص برزت سارة على كل رؤساء تحرير الصحف الأخرى، وجذب نجاحها قادة الفكر إليها،
جاء لزيارتها الأديب الانجليزي الشهير تشارلز ديكنز عام 1842 وهو في أشد الشوق إلى لقاء هذه المرأة العبقرية التي تفوقت في كل عمل قامت به سواء كان صحفياً أو اجتماعياً أو أدبيا، وكان تشارلز معجباً باحترامها لعملها ووقوفها ضد من يسطو على أدباء الأنجليز من أجل المزيد من المال، بينما لا يحصل صاحب الشأن على أي ربح، وعندما قابلها ازداد إعجاباً بها لروحها الطبيعية، وثقتها الكبيرة بنفسها، وتمضي الأيام، شعور بالفخر والإعتزاز يغمرها، وهي تسمع كلمات التقدير تنهال على ابنها هوارشيو، الذي أصبح من أشهر علماء اللغة، كانت سعيدة لأنها استطاعت أن توفق بين واجبها كأم وعملها الذي لاقت فيه نجاحاً كبيراً، وشعرت إن روح زوجها راضية عليها وهي تمضي في رحلة كفاحها، أما أبنائها فقد كان الفخر بأمهم يملأ قلوبهم اعتزازا وحباً لها، وهاهي في السادسة والخمسين وتبدو في قمة حيويتها ونشاطها الصحفي.
 كان هناك أمرٌ ينغص عليها حياتها، وهو وحدة الشيخوخة والمرض، ما أسوأ أن يمضي المرء أيام حياته الأخيرة مريضاً وحيداً، وتطلب منها ابنتها أن تسكن معها، فيفرح قلبها ويزول الخوف، ويبقى الإشعاع والنور من حولها.
 وبدأت سارة في إرسال مراسلين إلى الدول الأخرى  بعد أن تم اختراع التلغراف  ،فأرسلت صحفية لديها لزيارةإشلالات نياغرا، لتصف رحلتها في مقالات تنشر في المجلة، وكتبت هذه الصحفية مقالات رائعة عن هذه الشلالات،
 وفي يوم قرأت أن بيت جورج واشنطن في حالة مزرية، ويحتاج إلى الكثير من الترميمات للبقاء عليه، فأقامت حملة للتبرعات استخدمت فيها ذكاؤها وقدرتها على إقناع أهل الشمال للتبرع إلى بيت يقع في منطقة الجنوب، رغم وجود العداء بين الطرفين، استطاعت أن تحقق ما أرادت وأنقذ البيت
 وهكذا ،أصبحت سارة برنار معروفة في أمريكا كلها، لذلك آلمها كثيراً الانفصال بين الشمال والجنوب، وتساءلت لماذا لا تعمل على إحياء عيد الشكر ليتحد الشمال والجنوب في الاحتفال الديني؟ وكان لها ما أرادت وأصبح عيداً رسمياً بأمر من "إبراهام لنكلولن " رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
وتقدم العمر بالصحفية اللامعة "سارة"وبدأ  المرض والتعب  يزحفان على جسد هذه المرأة القوية، ستة وثلاثون عاماً من التفكير والإبداع والخدمة الشاقة، لم تبقي إلا على قطرات من صحتها، وها هي لا تقوى على مغادرة الفراش إلى مكتبها، لكنها لا تعرف الاستسلام فتستمر في إدارة أعمالها من فراشها وأصبح بيتها مزاراً للأدباء ومحطة لرسائل القراء، وتثقل الأحزان قلبها من جديد إذ يفارق الحياة الناشر غودى رفيق كفاحها الصحفي، وصديقها المخلص ويشتد عليها المرض، لتتوقف نبضات قلبها في الثلاثين من أبريل عام 1879 لتصبح  في سجل الخالدين...وهكذا انطفأت حياة امرأة كان حبها لوطنها السيمفونية الرائعة التي نسجت على أنغامها كل أعمالها الصحفية والأدبية الخالدة  في بلادهاوفي التاريخ.


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved