نشرت جريدة الفاينانشيال تايمز الأمريكية صورة مرحة لجاسيندا آردين، رئيسة وزراء نيوزيلندا، بصحبة زوجها، بملابس غير رسمية، مع تعليق على قرارها الاعتذار عن عدم استمرارها في المنصب بحلول فبراير القادم، بعد خمس سنوات من فوزها بالانتخابات في فبراير 2017، حيث كانت في سن السابعة والثلاثين آنذاك.
وفقًا لمؤشرات الرأي، تستحوذ جاسيندا على نسبة أغلبية وقبول شعبي. طبقًا للدستور، يمكنها الاستمرار في المنصب طالما يحوز حزبها، العمال، الأغلبية.
بهدوء وابتسامة أعذب من ابتسامة الموناليزا أعلنت قرارها؛ (لست نادمة على قراري. لم يعد لدي طاقة. إذا ترشحت ثانية سأضر ببلادي)، قالت جاسيندا ردًا على سؤال أحد الصحفيين.
يضرب البلد الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 27 ألف كيلومتر، ويتكون من أكثر من ستمائة جزيرة الأمثال للناس جميعًا.
غادر دونالد ترامب قصر الرئاسة وهو في سن الخامسة والسبعين رافضًا –في قرارة نفسه- فوز منافسه جو بايدن، ذو الثمانين عامًا، فهاجم أنصاره مبني الكابيتول في تحد صارخ للديموقراطية وخالف المراسم برفض استقبال خلفه لحظة دخوله البيت الأبيض، لتمضي الشهور في مشاحنات متبادلة يستعد–على إيقاعها- الاثنان للمنافسة على ذات المنصب نهاية العام القادم.
وقضى علي عبد الله صالح (1946 – 2017) في رئاسات اليمن واحدًا وأربعين عامًا، وعندما مَل أعلن ترشيح ابنه خلفًا له مبررًا ذلك بتولي جورج بوش الابن رئاسة أمريكا، بعد ثمان أعوام من ترك والده، جورج بوش الأب (1924-2018)، منصبه. كان لديه منطق!!!.
وترك القذافي منصبه بعد اثنتين وأربعين عامًا جعل فيها من ليبيا دولة عظمى بجرة قلم، ونصب نفسه ملك ملوك إفريقيا بجرة قلم، ودعا العالم للاستفادة منن إرثه الفكري المدون في الكتاب الأخضر بجرة قلم أيضًا.
تخيل واطلق لخيالك العنان عن ردة فعل هذين الرجلين –وأمثالهما- إزاء قرار جاسيندا، بماذا عساهم يعقبون؛ أغلب الظن يطالبا بوضعها في مصحة عقلية، مصداقًا لقول الراحل أنيس منصور (1924 – 2011)، "يفقد صاحب السلطة عقله مرتين، مرة عندما يتولى المنصب، ومرة عندما يغادر المنصب"، أما إن كانا من مواطني فنلندا فبلا شك سيرحبون بقرار السيدة المحترمة ويشحذون أسلحتهم للاستيلاء على مقعدها ثم محاكمتها بعد ذلك، ليختفي المقعد للأبد فور جلوس أحدهما.
خمس سنوات واجهت فيها جاسيندا وباء كورونا المستجد بشجاعة وحافظت على معدلات النمو، وعندما ضرب الإرهاب بلدها وقتل رجل استرالي خمسين مصليًا مسلمًا خلال صلاة جمعة، غطت شعرها بحجاب تضامنًا وامتزجت بجموع المعزين ووقفت بصلابة أمام المسجد تواسي أسر الضحايا وتطلب من شعبها الصمود وحماية المسلمين، في لغة تشابه تلك التي استخدمها الملك تشارلز الثالث -وقت كان أميرًا عام 1993- في كلمة له خلال زيارته مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية. ثم أصدرت قرارات بحظر بيع الأسلحة شديدة الفتك، وأطلقت حملة لمناهضة التطرف. وأقرت خطأ الشرطة في اعتقادها أن التهديد يأتي من المسلمين المتطرفين، في حين لا يعرف التطرف طائفة دون غيرها.
في ذات السياق، وقع السبت الماضي حادث إطلاق نار مكرر في كاليفورنيا خلال احتفال الجالية الصينية بالسنة القمرية، قُتل وأصيب فيه نحو عشرين شخصًا، أعرب بايدن عن تعازيه وأكد أن الإرهاب بلا هوية، ثم مضى يستعد للانتخابات القادمة من دون تعكير مِزاج الناخب الأمريكي بقرار يحد من بيع أسلحة، على غرار ما فعلته السيدة.
تغادر جاسيندا منصبها وعلى وجهها ذات الابتسامة التي صاحبتها عند تولي منصبها تاركةً للإجراءات الديموقراطية اتخاذ اللازم؛ انتخابات حزبية داخلية، يتولى بعدها الفائز منصب رئاسة الوزراء مع تهنئة مَلَكية وينتهي الأمر.