تلقيت عدة تعقيبات على مقال الأسبوع الماضي؛ هندي وباكستاني على كرسي رئيس الوزراء، دار معظمها حول اندماج ما بعد الجيل الأول للمهاجرين في نسيج بلدان المهجر وصولاً للقيادة السياسية؛ الهندي الأصل ريشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا ورئيس حزب المحافظين، والباكستاني الأصل حمزة يوسف، رئيس وزراء اسكتلندا ورئيس الحزب القومي، أضف إلى ذلك قيادات أخرى من أصول باكستانية؛ صادق خان، عمدة لندن، وساجد جاويد سياسي بارز تولى العديد من المناصب الوزارية في عدة حكومات، وعلى الجانب الآخر أنس سروار رئيس حزب العمال الاسكتلندي.
قَارَنَتْ التعليقات بين الوطن الأم ودولة المهجر. لم تسلم الهند من ويلات التعصب؛ اُغتيل غاندي، ثم أنديرا وراجيف غاندي. في باكستان وموجات توتر صاحبتها اغتيالات وإعدامات؛ محمد ضياء الحق وبينظير بوتو، ومن قبلها والدها ذو الفقار على بوتو، فضلاً عن تموضع تنظيم القاعدة ومقتل أسامة بن لادن. بينما أشقاؤهم المطلين على بحر الشمال يدخلون عالم السياسة عبر دروب متاحة للجميع ويستأذنون في الانصراف دونما صخب.
في عام 2016 وقف يوسف حمزة في البرلمان بالزي الوطني الاسكتلندي وألقى القسم وزيرًا لشئون أوروبا والتنمية الدولية، كمواطن اسكتلندي تَشَرَبَ ثقافة وتقاليد وطنه وبعضًا مما احتفظ به والداه من موروثات باكستانية.
يُمثل الجيل الأول للمهاجرين تلك الشَتلة الـمُستَنبتة في أرض المهجر، بينما تكون ما تلاها من أجيال بذورًا غُرست وترعرعت في تربة الوطن الجديد مع غيرها من بذور ذات أصول سمراء وصفراء وبيضاء، داخل صوبة وفرت للجميع مناخًا منفتحًا يسمح بتمدد الجذور والأغصان في كافة الاتجاهات دون أن تعترضها أسوار المحظور ومشانق الممنوع، وأولها سور السياسة العظيم.
في كلمته الافتتاحية بأحد المؤتمرات، ذكر أحمد أبو طالب، عمدة مدينة روتردام الهولندية، أنه سأل والده عن سبب هجرته، فأجابه (في بلد كهذا يمكنك العمل في السياسة). عاش والده مُحفِظًا للقرآن الكريم بإحدى قرى المغرب لا يشغل باله طموح سياسي، لكنه رأى في المساحة المتاحة للعمل السياسي مقياسًا لحرية العيش. فقرر الهجرة، احمل معتقداتك في قلبك، واجعل من صدرك مسجدًا.
في كتابها الماتع (مكة والاتجاه العام)، تعرض الباحثة اللبنانية الأصل الأمريكية المولد، جنيف عبده، حياة المسلمين في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قابلت مسلمين ومسلمات من أصول ومستويات اجتماعية مختلفة. سألت أحد مهاجري الجيل الأول عن فرص نجاحه في الانتخابات؛ فأجابها (لا توجد أي فرص، لكنني أُمهد الطريق للجيل التالي). وقد كان !!، تبوأ مهاجرون كُثر مناصب سياسية وصلت للرئاسة في عدة دول، وشغل آخرون مناصب أكاديمية واقتصادية بارزة.
عندما يمسك الناخب ورقة الاقتراع بيسراه والقلم بيمناه يختار الأنسب –بحسب رؤية تبلورت عبر الاطلاع على برامج المرشحين وجولاتهم ومؤتمراتهم الانتخابية ومناقشاته مع أسرته ومحيط عمله- مُغمِضًا عينيه عن أمور غير ذات صلة بالمهمة المراد تكليفه بها؛ أصوله، ديانته، هواياته،...
بانتصار بريطانيا في الحرب العالمية الثانية تبوأ ونستون تشرشل (1874-1965)، رئيس الوزراء ورئيس حزب المحافظين آنذاك، مكانة تاريخية خلدته حتى الآن، ومع ذلك خسر انتخابات عام 1945 وفاز كليمنت آتلي، وكان تفسير المحللين أن تشرشل كان الأنسب للقيادة في الحرب وآتلي الأجدر لإعادة الإعمار.
بذات الآلية تكرر المشهد مؤخرًا، كان ريشي سوناك –الهندي الأصل والملامح- الأنسب لما بعد كورونا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك استحق حمزة يوسف قيادة الحزب ورئاسة الوزارة في اسكتلندا.
لم يكن هناك سوى فضاء سياسي مفتوح ودروب معروفة ومحددة للجميع.