تصيب احصاءات السياحة في إسبانيا الكثيرين بالإحباط. الأرقام خارج المنافسة.
لا يزيد عدد سكان مدينة برشلونة عن 1,6 مليون شخص، بينما بلغ عدد السائحين حوالي 10 ملايين العام الماضي؛ أي إجمالي عدد السائحين القادمين لمصر، بينما سجلت إسبانيا 87 مليون سائح، ضعف عدد السكان، وينتظر أن تعاود الأرقام ارتفاعها على ما كانت عليه قبل جائحة كورونا.
كانت برشلونة قد استضافت ألعاب الأولمبياد عام 1992، شهدت بعدها نقلة نوعية في التطور العمراني والترفيهي مع موجات تسويق متتالية ساعد عليها تواجد اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي في فريق برشلونة لنحو عشرين عامًا، قبل انتقاله إلى باريس سان جيرمان، ومؤخرًا الهلال السعودي.
السياحة خدمة متكاملة؛ من باب طائرة الوصول إلى باب طائرة الإياب، لكل تفصيلة دور في نمو عدد السائحين، المطار وخدماته، الفنادق والمطاعم ومراكز التسوق، تفاعل المواطنين، منظومة النقل الداخلي، القطار، المترو، الأتوبيسات، سيارات التاكسي، خدمة الدراجات التشاركية، ورصيف الشارع.
كان أكثر ما لفت انتباهي اتساع رصيف شارع (دياجونال)، حوالي عشرة أمتار، براح يعطي المشاة الحق في السير، وهواة ممارسة الرياضة مسارًا يمتد بطول وعرض المدينة تُظللهم فروع أشجار معمرة تسكنها الطيور وتأنس إليها السناجب، ويجد في جوارها الحمام البري مواضع يلقي فيها المارة الحبوب فيضفي على المكان جمالاً فوق جمال. كما تمتد بطول الرصيف أرائك عليها يتكئون ويتأملون.
كما ضُبط مسار الشارع طبقًا لتوزيع الأشجار فيه، وليس العكس. قطع شجرة قرار يطول بحثه والبت فيه أمر يمتد لشهور، وغالبًا ما ينتهي بالرفض.
لا يكدر خلوتك من يبادرك بتحية فقدت معناها وتحولت من عبارة تهنئة إلى تأشيرة شحاذة حينًا، وفرض سطوة حينًا آخر؛ (كل سنة وحضرتك طيب)، ولا مانع من تطعيمها ببعض ألقاب التكريم وعلو الشأن طمعًا في زيادة المعلوم فيهبك لقب باشا أو بك، على أقل تقدير.
يلقيها عليك سايس سيارات ارتأى لنفسه الحق في اقتطاع مسافة من الرصيف المملوك لعموم المواطنين، ربما أمام مطعم أو محل أو مصلحة حكومية تضيق أمامها مساحات الانتظار.
يلقي عليك جملته الأثيرة ناظرًا بطرف عينه، فإذا ما رأى منك إعراضًا أو تمردًا، سارع وغير نبرة صوته ودس فيها شيئًا من تهديد وأخبرك أنه غير مسئول عما يحدث لسيارتك من أولاد الحرام، وكأنه يُعلمك بما سيحدث إن لم تدفع بالتي هي أحسن، ثم يعدد لك احتمالات تعرض سيارتك لأولئك السفلة المزعومين، والذين ليسوا في الحقيقة سوى السايس نفسه أو أحد صبيانه؛ سرقة مرآة، كحت جزء من الطلاء، ضربة مطواة تفسد أحد الإطارات، وربما طالت الضربة أكثر من إطار إن بلغ حنقه مبلغًا عظيما، فلا تملك مع تهديداته إلا الابتسام بجانب فمك وخفض نبرة صوتك ونقده المعلوم شاكرًا في الظاهر نصيحته، وصاغرًا في الباطن بلا حول لك ولا قوة.
على رصيف شارع (دياجونال) العريض تجد المكان المحدد لانتظار الباص القادم والمغادر في توقيت معلوم، لا يتغير ولا يتبدل، وإشارات مرور تحظى بقدسية واحترام، (أجد متعة في النظر إلى السيارات والباصات الواقفة بلا حراك تنتظر مروري الكريم، وكأنني ملك وقف الجميع احترامًا له)، قال صديق من مدينة عربية لا تعترف بالأرصفة ولا إشارات المرور.
عندما تختفي الأرصفة، يتحول المشاة إلى زواحف تمشي على الحيطان والأسقف حتى يتمكنوا من التجول في المدينة. ينهكهم القفز بين السيارات المسرعة بلا ضابط، رحلة يومية تبدو أقرب للعبة الفيديو (الطريق إلى المزرعة)، لتحظى في نهاية اليوم بكأس الفوز إن وصلت سالـمًا.