الكثير من القيم والمبادئ في حياتنا لم تعد موجودة كالسابق، لا نستطع أن نقول إنها اختفت، ولكن لم تعد ماثلة كالسابق. ومن هذه المعاني الجميلة التي نشتاق إليها، هي التعاطف، الذي نحتاجه أحياناً، فقد تمر علينا عشرات المواقف التي تحتاج للتعاطف، فالتعاطف مع الآخرين ضرورة مهمة، فقد يمر عليك موقف معين في عملك، وتشاهد موظفاً معيناً يكدح ويعمل ويجتهد ويجد ويبذل كل إمكاناته ومعارفه وعلمه، من أجل أن ينجح، ويحتاج لكلمات من التشجيع والإشادة بجهوده، عندما نقابل صديقاً قد تعرض لأزمة أو محنة يحتاج منا إلى كلمات تشجيعية وعاطفية، تساعده على تجاوز الأزمة، وهكذا، كلما نحتاج إلى التعاطف في فترة من فترات حياتنا، نحتاج إلى الاهتمام والعناية والمحبة.
فبسبب أخلاقك وكرمك وحلو كلامك ولسانك العذب الجميل، سوف تجعل الناس تشعر بطاقة إيجابية، أتذكر حكمة عربية تقول: تواضع عن رفعة، واصبر عن حكمة، وأنصف عن قوة، واعفُ عن قدرة. عامل الناس بخلقك وتسامحك ولطفك، وليس بسلوكياتهم، فن التعاطف هو فن الاتصال مع الآخرين، والحرص على التعاطي معهم بكل محبة واحترام وتقدير، قد يظهر لنا البعض العداوة وقسوة القلب في بعض المواقف، ولكن تركيزك على شخصيتك وسلوك الإيجابي والانصات للآخرين، كل ذلك يولد الاهتمام والحب من حولك.
هناك حكمة عربية تقول: «أعطِ الإنسان السلطة تعرف أخلاقه». بمعنى، بمجرد أن تضعه في موقف معين، سوف تظهر أخلاقه، البعض قد يسامح ويعفو، وقد يغضب ويرفض، كل إنسان بأخلاقه وتعاملاته، إذا قررت أن تعفو فإنك تركز طاقتك ومجهودك على نفسك، وإن قررت أن تحارب العالم كله، ففي هذه الحالة ستجد أن طاقتك كلها قد ذهبت دون نتيجة، التعاطف هو شعور تلقائي غريزي، يمكننا أن ندعمه بالرحمة، فالإنسان مجبول على الحب والتعاطف والرحمة والتآلف. هذه صفات خالصة في الإنسان، وضعها الله فيه، لذا، نتألم جسدياً ونفسياً لمجرد مشاهدتنا لشخص آخر يتألم، هذا يدلل على أن الرغبة في الاتصال مع البشر والطبيعة ومع أنفسنا، مغروسة في أعماقنا، ولكننا غفلنا عنها، أو بمعنى أصح، لم نمتلك الوعي حول أهميتها.
لقد أهملنا تنميتها، أو الاهتمام بوجودها الفطري، بل البعض بات يعتبرها عيباً مسيئاً، يهين قوته وصلابته. لكن في الحقيقة، تنمية قوة التعاطف والرحمة لا تعني صنع شخصية ضعيفة وهشة، بل على العكس، سوف تجد منا أشخاصاً لديهم إحساس بالحي والتعاطف تجاه الآخرين، إننا نحتاج بقوة التعاطف، لنشعر بالسعادة والأمان، نحتاج أن نحترم الأرض والبيئة، ونقترب أكثر من المناطق الطبيعية.
نحتاج أن نتواصل مع الآخرين في جوّ خالٍ من الأحكام والاستعراضات البالية، والمجاملات الزائفة والكلمات الفارغة، نحتاج لفسحة من العمق والهدوء والانصات لأنفسنا، ولأصواتنا الداخلية، وحدسنا الصادق.