توقفت رحلة الدراسة مع أستاذنا عباس العقاد (1889 – 1964) عند الشهادة الابتدائية، ومع هذا كان صالونه قبلة المفكرين والسياسيين، يجلسون في حضرته خاشعين، يسألون ويتعلمون، كتب عنه أمسياته أنيس منصور في مجلده الضخم (في صالون العقاد). كان أستاذنا فريدًا في كتاباته.
ولم يستطع الجورناجي الأول، الأستاذ محمد حسنين هيكل (1923-2016)، أن يصبح طبيبًا، وحصل على دبلوم التجارة، فاستكمل دراسته الحرة بالقسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية، وتتلمذ على يد سكوت واتسون، أحد أشهر صحفيي جريدة Egyptian Gazette، فألحقه بقسم التحقيقات، ليبدأ مشوارًا صحفيًا وسياسيًا فريدًا، لم يتكرر في تاريخ مصر والأمة العربية.
في الأسبوع الماضي، دعي رجلاً ترك دراسته الجامعية وفتح شركة أطلق عليها اسم مايكروسوفت Microsoft، لإلقاء كلمة في حفل الخريجين بجامعة أريزونا. لم يكن بيل جيتس يتخيل -وقت أسس شركته- أنها سوف تغير واجهة العالم، أو أن يقف يومًا أمام علماء وأكاديميين ورجال سياسة ليُلقي عليهم خلاصة خبراته وتجاربه في الحياة، كي يكونوا أكثر تأهيلاً لبيئات العمل؛ ومن ثم أعمق تأثيرًا.
تختلف الآراء في مدى الارتباط بجهات العمل؛ على خلاف الأوروبيين والأمريكيين الذين يغيرون جهات عملهم مع فصول السنة، نادرًا ما يغير الياباني المؤسسة التي ارتبط بها بعد تخرجه، يُرجع البعض ذلك إلى ارتفاع مستوى الولاء وتقارب مستويات الدخل للمشتركين في ذات المستوى العلمي.
من هنا، يلفت جيتس نظر الخريجين إلى الاستعداد للتغيير والعمل على اكتساب الخبرات، من جهته لم يتخيل أن يترك -بمحض إرادته- شركته التي أسسها ليتفرغ للعمل الخيري.
الشيء الآخر الذي يؤكد عليه، أن ما تلقاه الطلاب من علوم في مراحل الدراسة المختلفة لن يكفيهم بأي حال من الأحوال للتعامل مع تحديات الحياة العملية، لذا يوصي كل خريج أن يتعود حل مشاكله العملية بنفسه مستعينًا بأصحاب الخبرة، ويوصيهم قائلاً، (لا داعي للخوف. خذ نفسًا عميقًا. أجبر نفسك على التفكير في الأمر. ثم ابحث عن أشخاص أذكياء لتتعلم منهم).
ويلفت انتباههم مشيرًا إليهم بسبابته، (انجذب نحو العمل الذي يحل مشاكل هامة)، وهنا سوف يمكنك كل يوم عمل من إحداث فرق وأن تكون أكثر إبداعًا وإحساسًا بالهدف، مع ضرورة الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة. فدائمًا ما يمنحنا الإحساس بالهدف مزيدًا من الثقة والسعادة بقدر يفوق سعادتنا بكسب المال، ويقنعنا بأن سنوات العمر لم تضع هباءً.
المحور التالي الهام في الحياة العملية هو صداقاتنا التي نبنيها على الاحترام والثقة، الصديق المخلص مرآة مستوية ننظر بها في أعماق نفوسنا، فنستكمل مسارات، ونصحح مسارات.
تحت مظلة الصداقة أسس جيتس مع صديقه بول ألين شركةMicrosoft ، وكذلك أسس لاري بيج مع صديقه سيرجي برين شركة Google. للأصدقاء دور كبير في نجاحاتنا.
وأخيرًا، إياك وتجاهل البعد الاجتماعي خطط لعطلات نهاية الأسبوع وإجازاتك الطويلة، يقول جيتس أنه وقت أسس شركته لم يكن يعترف بالإجازات ولا عطلات نهاية الأسبوع، ولم يتحرج من ذكر أنه كان يتابع مواعيد انصراف الموظفين، حتى أصبح أبًا واكتشف خطأ أفكاره.
(تعلم ونمي علاقاتك واحتفل بنجاحاتك، وخذ قسطًا من الراحة كي تتعافي من آثار هزائمك)، قال بيل جيتس في ختام حديثه، ثم أردف مبتسمًا (قبل أن تبدأ المرحلة التالية من حياتك، خذ لحظة واستمتع ببعض المرح !).
وصايا وخلاصة خبرات حياة حافلة بالنجاح لا يحتاجها فقط حديثي التخرج، فحتى لو كان قطار العمل قد دهس الكثير من أشجار العمر، فعلينا إنقاذ ما تبقى. مع تمنياتي بالنجاح.