للنكتة الصادقة بصمة تضمن تجددها ولا تفقدها مع مرور الزمن. مرت أكثر من سبعة عقود على رحيل نجيب الريحاني ولا يزال –متى حضر على الشاشة- قادرًا على رسم البسمات على الوجوه، وانتزاع الضحكات من القلوب. تغيرت المفردات والموضوعات وبقيت روح النكتة واحدة. تلقائي لدرجة تقنعك أنك أمام مشاهد حياتية واقعية.
وبقدر ما كان يوزع الضحكات، بقدر ما عاش فصول حياته يطارد السعادة؛ فلا زواجًا استمر، ولا مالاً بقي، حتى الهناءة راوغته وقفزت من الشباك.
(ريتا) كانت الوحيدة التي حافظت على وفائها له؛ في السراء والضراء، أولاً لأنها وكافة بني جنسها –الكلاب- أوفياء بالفطرة، وثانيًا لحسن معاملته لها.
وجد فيها من السلوى ما خفف عنه آثار إخفاقاته الإنسانية المتكررة، ومن الرأي في الأصدقاء والمعارف توافقًا، كان متى زاره من لا يرتاح إليه، ظلت تنبح في وجهه، فلا يلبث أن يرحل سريعًا. وكانت أيضًا مصدر مرحه، رزقت ريتا بجرو مشاكس، فأسماه (شَكَلْ)، وكان بينهما من الطرائف مواقف كثيرة.
كانت أجمل أوقاته عندما يعود إلى بيته مُتعبًا مُنهكًا وتجري نحوه تستقبله وتتمسح بساقيه مانحة إياه حنانها واهتمامها دون حساب.
روابط روحية ربطت بين الكثيرين من بني البشر وكائنات أخرى، تعززها الوحدة أحيانًا، وتستدعيها خيبة الأمل في البعض حينًا آخر، وضرورة الشعور بأن هناك من يهتم بنا لأغراض إنسانية بحتة.
في نهاية التسعينات قدم إيدي ميرفي فيلمه، (Dr. Dolittle)، عن طبيب لديه القدرة على التحدث مع الحيوانات، استعرض من عدة مواقف همومها ومشاكلها، ومع محاولاته مساعدتها يتعرض لمواقف كوميدية محرجة مع من حوله، كاشفًا لنا عالمها الخاص بطرائفه وهمومه.
وقد عرفت السينما العالمية أفلامًا قم ببطولتها حيوانات وطيور؛ اخترع الأمريكي والت ديزني شخصية الفأر ميكي ماوس وحوله إلى أيقونة عالمية، وفيلم الأسد الملك، وحققت شركة (مترو جولدن ماير) للإنتاج أرباحًا تجاوزت مئات الملايين من الدولارات من أفلام الثنائي توم وجيري، وقدم والتر بنيامين نقار الخشب.
وعلى المستوى الأدبي، حملت قصص (كليلة ودمنة) رسائل رمزية في الـحُكم والسياسة، وانتقد الكاتب الإنجليزي جورج أورويل الثورة الروسية (1917)، من خلال روايته (مزرعة الحيوان)، ثم روايته (1984).
وقدم توفيق الحكيم للمكتبة العربية أفكارًا فلسفية على لسان حماره (حمار الحكيم وحماري قال لي)، ونشر أحمد بهجت (حوار بين طفل ساذج وقط مثقف)، وسرد الحكاء خيري شلبي روايته (الشطار) على لسان كلب تخلى عنه صاحبه فراح يجوب الشوارع ويحكي، وكتب نزار قباني (من يوميات كلبٍ مثقف).
وذكر القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف والكلب الذي رافقهم، في إشارة للرابطة الروحية بينهم، وعُرف الصحابي الجليل عَبْد الرحمن بْنُ صَخْرَ، بأبي هريرة، كونه كان يضع هِرة في كُم جلبابه، يطعمها ويسقيها.
ومن أشكال الروابط الأخرى، كان البحر لسانتياجو في رائعة آرنست هيمنجواي (العجوز والبحر) الصديق المخلص الوفي؛ يستمع صامتًا لشكاواه، ويراقب لمعة عينيه كلما اصطاد سمكة كبيرة يعينه ثمنها على مصاعب الحياة، ويدفع مركبه نحو الشاطئ بعد خسارته سمكة الماندرين وعودته خالي الوفاض يقتله عجزه.
وكانت الأرض الكائن الأسطوري عند دياب -الفلاح البسيط- في رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي، فعندما أُطلق سراحه من السجن، لم يملك سوى أن يجري نحوها ويرتمي عليها ويتمرغ في ترابها ويقبل زرعها.
ضمن تعليقاته المميزة دائمًا، كتب الصديق الشاعر العراقي حيدر الهاشمي، على صفحته، تحت صورة لطفل يعزف لقطه المنصت إليه بكل حواسه، "من الجميل جدًا أن تجد الكائن الذي يشاركك الحزن والابتسامة حتى لو كان على غير شاكلتك".