(ليست برشلونة وحدها التي تمتلك تلك الأرصفة العريضة، فمدينتي (ابن جرير) ومراكش المغربيتان تحظيان بذات الأرصفة)، عَلقَ صديق -عاد لتوه من زيارة للمدينتين- على مقال (برشلونة.. رصيف شارع دياجونال)، المنشور في 13 مايو الماضي بذات الزاوية.
تبعد (ابن جرير) عن مراكش نحو سبعين كيلومتر، وتعرف الأخيرة بالمدينة الحمراء، نظرًا للون مبانيها الرملي الـمُشرب بحمرة.
للتخفيف من وطأة الحنين إلى الوطن، تأبط جنود طارق ابن زياد -وهم يعبرون إلى الشاطئ الآخر- أشجار اللارنج ولون مبانيهم.
حولت بلدية إشبيلية الأشجار التي غرسها العرب في زوايا المدينة إلى مصدر للدخل القومي؛ تُجمع ثمارها لتحولها المصانع إلى مربى فاخرة يُصدر أغلبها إلى بريطانيا. صارت جزءًا من بصمة البلد.
المدن كالبشر، لكل منها طعمها ورائحتها وهويتها الخاصة؛ طرقاتها، ميادينها، مبانيها، محلاتها، معارضها، رجالها ونسائها، نكهة القهوة الممزوجة برائحة المطر في الصباحات الشتوية، وحلقات الأسر في الشرفات بحثًا عن نسمة هواء في أمسياتها الصيفية.
البصمة البصرية هي الجلابية الفلاحي التي كانت ترتديها جداتنا وامهاتنا في الريف المصري بألوانها الزاهية المبهجة، والتي مُسخت بقدرة قادر إلى جلابية سوداء، تعكس الشجن. وهي الجلابية البلدي التي كان يتجمل بها (الحليوة الأسمراني) واضعًا فوق رأسه طاقية غنت لها عفاف راضي (عوج الطاقية الولا وبص ليا)، وعندما أعياه الشوق (قلع الطاقية وحلف قال إيه ما بينامشى)، وطلب محرم فؤاد (ترسم لي على الطاقية قلب ويمامة ودار)، وهتف فهد بلان في ليالي المجد العربي (يا أبو الطاقية الشبيكة والحزام). ملامح شخصية مسختها عادات وتقاليد مشوهة وغريبة.
كان من اليسير على كل من حضر مؤتمر المناخ الماضي ملاحظة البصمة البصرية لمدينة شرم الشيخ؛ لون واجهات واحد مُزجَ بتصميمات نابعة من التاريخ والحضارة.
في ديسمبر القادم تستضيف الإمارات فعاليات المؤتمر. لا حاجة لاختراع بصمة بصرية. الهوية ثابتة من صالة الاستقبال في المطار إلى صالة المغادرة.
لوسائل النقل بصمتها؛ النقل العام باللون الأخضر وأتوبيسات المدارس بالأصفر، والبيانات المدونة على الجانبين طبقًا لنموذج واحد. حتى محال الحلاقة والبقالة، لكل منها تصميمه الخاص. علامة تجارية لدولة.
في محال الماركات العالمية لا فرق بين محل تدخله على قمة جبل خويتين بمنغوليا ونظيره في الشانزليزيه بباريس؛ تستنسخ التصميمات الداخلية، وملابس العاملين، وهو ما يطلق عليه في عالم الأعمال (حق الامتياز Franchise)، حيث يـَمنح بموجبه طرف لطرف آخر حقوق الملكية الفكرية والصناعية أو المعرفة الفنية لإنتاج سلعه أو توزيع منتجاته أو خدماته تحت علامته التجارية، وفقا لتعليماته وتحت إشرافه، في منطقة جغرافية محددة ولفترة زمنية محددة، مع التزامه بتقديم المساعدة الفنية بمقابل مادي.
الكثير من فروع مطاعم ومقاه وشركات اتصالات في انحاء العالم، ليست سوى صورة من صور حق الامتياز، مُلاكٌ مختلفون، وعلامة تجارية واحدة.
كيف تدير بلدًا يتجاوز عدد المقيمين فيه تسعة أمثال عدد المواطنين؛ أكثر من مائة جنسية يخبئون تقاليدهم وأعرافهم وفلكلورهم ومقدساتهم تحت جلودهم. الإجابة، صياغة قوانين يلتزم بها الجميع. لا استثناءات.
(فيه System)، قال أحد المرافقين مختزلاً تعليقه على أبو ظبي في كلمتين خليط من العربية والإنجليزية، ثم أردف (من يحترم إشارات المرور.. يحترم النظام).
لا تفرق الكاميرات المبثوثة في كل زاوية وشارع ومتجر بين مواطن ومغترب. وقرار طلب تجديد الترخيص مرهون بسجلك المروري الإليكتروني.
لكل مدينة هوية تعبر عنها. جميل أن يكون لكل مدينة بصمتها الدالة عليها، إن لم تصنعها بنفسها وتصبغها بنظامها بادرت العشوائية وفرضت نفسها صِبغةً وهويةً.