شخصيات من وطني رسموا بجهدهم وعرقهم ومثابرتهم ملامح وطن في مجالات متعددة، وعندما نقرأ اليوم سيرتهم نشعر أن علينا واجب الوقوف إجلالاً لعطائهم الوطني في ظروف قاسية، وعقبات كانت تقف حائلاً دون إبداعاتهم وتميزهم لكنهم - ولله الحمد - تغلّبوا على كل ذلك، وسطروا ملامح من التاريخ في تخصصهم نقف إزاءها بكل الحب والتقدير والإشادة، فرغم الصعاب والمشاق إلا أنهم عشقوا بلادهم وكانوا أوفياء لوطنهم ومواطنيهم في المهام التي اضطلعوا بها.. فقد أهداني الأخ خالد محمد الحسن كتابًا عن والده يرحمه الله المحامي «رائد العدالة» محمد بن حسن الحسن الذي قام بتـأليفه مع اخته المحامية لبنى محمد الحسن.
والكتاب توثيقي بامتياز وبه وثائق ناطقة تؤرخ ليس فقط لجهود أحد أبناء مملكة البحرين 14 ربيع الآخر 1333هـ 19 شوال 1416هـ الموافق 29 فبراير 1915-10 مارس 1996م في مجال المحاماة، وإنما تؤرخ لفترة آمنت البحرين بقدرات أبنائها وتخصصهم وتجارب الحياة التي خاضوها وأثبتوا قدرتهم على العطاء فأتاحوا الفرص لهم للإبداع والتميز العلمي والعملي ففي مقدمة الكتاب يقول المؤلفان: «إن فكرة إصدار كتاب باسم والدنا المرحوم المحامي محمد حسن الحسن هي لتخليد اسمه، وإبراز أهم المنجزات والأعمال التي كرس وقته وجهده وماله لخدمة مجتمعه ووطنه وشارك قصة النجاح في مهنة القضاء الواقف (المحاماة) مع زملاء المهنة وأصبح مثالاً يُحتذى به»، وقد قسم المؤلفان الكتاب إلى ثلاثة أقسام؛ القسم الأول يختص بسيرة المرحوم المحامي محمد حسن الحسن، والقسم الثاني يختص بالرؤية رقم واحد والقيادة في حياة الوالد، والقسم الأخير يختص بالأرشيف والصور والمستندات.
ولظروف عملية ابتداءً من العام 1972م كنت التقى بالمرحوم المحامي محمد حسن الحسن في جريدة صدى الأسبوع ورئيس تحريرها الرائد على سيار يرحمه الله، كما التقيت به في الكثير من المناسبات وفي الإذاعة والتليفزيون وكنا ونحن خريجو عهد من الجامعات نستمع إلى تجاربه في الحياة واهتمامه بثقافة المحاماة وكان هو وجيله من المحامين الممارسين يذكرون لنا تجاربهم وعشقهم لهذه المهنة التي شعروا بواجبهم الوطني حيالها، وهذا ابنه الأستاذ خالد محمد حسن الحسن يقول: «إن تواجدي في مكتب والدي خلال الفترة الصيفية ومرافقتي له في أثناء ذهابه إلى المحاكم ومكاتب العملاء ومديري البنوك وما أراه من تجمع المحامين معه بعد خروجه من قاعة المحكمة للتباحث معه في شتى أنواع القضايا على اختلاف أنواعها ودرجات التقاضي، أكسبني الخبرة والمعرفة والاطلاع في الأمور الاقتصادية والتجارية والتأمينية التي أفادتني في دراساتي الثانوية والجامعية ومن بعدها تطبيقاتها في نواحي العمل المصرفي والعمل التطوعي»، كما تقول المحامية والمستشارة القانونية ابنته لبنى محمد حسن الحسن: «تحمي القوانين سلامتنا العامة وتضمن حقوقنا كمواطنين، فالقانون مجال أثار اهتمامي منذ سن مبكرة، حين كنت أستشف من والدي المحامي محمد حسن الحسن رعايته واهتمامه في صياغة اللوائح والمذكرات والاطلاع المتواصل على أنفس المراجع في الدفاع عن موكليه وعن الشخصيات الاعتبارية، فالقانون هو في الواقع حجر الأساس للمجتمع الذي يسمح له بالحفاظ على عملية النظام المجتمعي وبالتالي يكون له تأثير كبير على حياة الجميع، فالقوانين هي التروس في آلية المجتمع، إنها مبادئ توجيهية ورادعات ضرورية بشكل أساسي لكي تعمل الإنسانية، والقانون هو الضمير العام المشترك الذي يخبرنا الصواب من الخطأ».
إن عائلة الحسن من العائلات العريقة في مملكة البحرين وجهود أبنائها في مختلف المجالات وارتباط هذه العائلة بغيرها من العائلات البحرينية تنم عن أن مملكة البحرين هي تضم في كنفها عائلات كثيرة ولله الحمد جمعتها أواصر النسب والقربى بالإضافة إلى المشاركة في العطاء الوطني.
وتصف ابنته المحامية والمستشارة القانونية والدها بالقول: «لقد زاد إعجابي بك يا والدي وبإصرارك على المحافظة على شرف مهنة المحاماة، حين حملت على نفسك تأدية رسالة المحافظة على حقوق موكليك والحقوق المدنية العامة ذلك من خلال مشاركتك النبيلة في انتخابات 1973م وحققت رغبتي المتجذرة بقوة في اهتمامي بدراسة القانون الذي سمح لي بتطوير الصرامة الأكاديمية بروح قوية، وتعلمنا منك يا والدي الكثير فأنت الوالد وطالب العلم المجد ثم تعلمنا من مدرسة حياتك العملية التي هي واسعة الأرجاء وفسيحة الآفاق».
إن الكتاب الوثائقي التسجيلي عن «رائد العدالة» المحامي محمد حسن الحسن لا غنى عن مكتبتنا البحرينية عنه؛ لأنه يوثق بشكل علمي مدروس تجربة أحد أبناء البحرين البررة، ونحن على ثقة كبيرة بأن مملكة البحرين زاخرة بأبنائها وبعطائهم الإنساني والعلمي والثقافي، وأي تجربة في الكتابة عنهم تُعد مصدر علم ومعرفة لا غنى لنا عنه.