كانت رواية الغريب أول ما قرأت للكاتب الفرنسي ألبير كامو. صدمة عندما تكتشف أن تفاصيل الحياة العادية يمكن أن تتحول إلى قرائن إدانة.
يضعك الكاتب؛ الفرنسي الأصل الجزائري المولد والدراسة، في الجزائر العاصمة أمام مشاهد حياتية رتيبة لشاب فرنسي يدعى ميرسولت تصله برقية بوفاة والدته المقيمة بأحد دور المسنين، فيسافر ضَجِرًا متذمرًا، حتى إذا ما وصل أعرض عن رؤية جثمانها. كان متلهفًا للانتهاء من المراسم في أسرع وقت.
لكسر ملل الانتظار أشعل سيجارة وطلب فنجان قهوة، وما أن وُسِدَ الجثمان التراب حتى عاد مباشرة إلى شقته وهناك قابل إحدى صديقاته وقضيا بعض الوقت معًا، لتتوطد العلاقة بينهما مع الأيام. وذات يوم وقعت مشادة كلامية مع بعض الشبان العرب، تطورت بإطلاق ميرسولت النار على واحد منهم فأرداه قتيلاً.
تحولت تلك الأحداث في ملف التحقيقات إلى أدلة إدانة؛ عقوق ولا مبالاة واستهتار، حتى هدوئه المصطنع ترجمه محامي خصمه إلى عدم إحساس بالذنب أو الندم. بصدور حكم الإعدام بحقه لم يتبقى له سوى زيارات القس ومحاولات إقناعه بأهمية الإيمان بالرب، لكن ميرسولت المنصرف عنه بالكلية ينفجر فيه غاضبًا محبطًا يخنقه يأسه ويمضي يفسر كل ما حوله من مظاهر الحياة من منظور عبثي صرف، لتنتهي الرواية بإعداده لتنفيذ حكم الإعدام.
لم يكن رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، يدري أن حفل عيد ميلاده الذي أقامه بمقر إقامته خلال جائحة كورونا، وقت كان في المنصب، سوف يتسبب في استقالته أيضًا من عضوية البرلمان. فبعد اضطِراره التنحي عن منصبه في سبتمبر الماضي تحت وطأة تخلي حزبه عنه وانخفاض شعبيته وانتقاد النواب لأداء الوزارة، ظل محتفظًا بمقعده في مجلس العموم نائبًا عن دائرة شمال غرب لندن.
على التوازي استمرت لجنة التحقيق المختصة فيما أُطلق عليه إعلاميًا (Party-gate) في أداء عملها إلى أن أصدرت قرارها بإدانة جونسون بالكذب على البرلمان، الرجل الذي تم احتجازه في المستشفى لعشرة أيام بعد ثبوت إصابته بالفيروس بدت أحاديثه عن احترام القيود الصحية مجرد تصريحات ليس أكثر!!.
كالعادة، شمرت الصحف البريطانية عن ساعديها ومارست عادتها في جلد السيد جونسون، كما فعلت مع سابقيه، وستظل تفعل في بلد يفخر بأنه (أم الديموقراطيات)، وأن لا أحد فوق القانون، سواء أكانت إقامته في 10 داونينج ستريت، أو قصر باكينجهام، وما قصة الأمير هاري ببعيدة.
تكرر ما فعله جونسون وقت كان وزيرًا للشؤون الخارجية (2016-2018) من تخليه عن رئيسة الحزب، السيدة تيريزا ماي رئيس الوزراء آنذاك، معه شخصيًا، مما دفعها للاستقالة.
في مشهد درامي تحولت عبثية كامو مع جونسون إلى واقع، لم يترك الأخير أحدًا إلا وهاجمه؛ لجنة التحقيق وتحيزها، المعارضة ورغبتها في الاستحواذ على السلطة، وكانت عذابات تخلي أعضاء الحزب عنه الأكثر ألمًا؛ حينها تذكر ما فعله مع السيدة ماي، وكما تدين تدان.
تجاوزت الأحداث بجونسون عبثية ألبير كامو في الغريب وتراجيديا وليم شكسبير في يوليوس قيصر، عندما خانه أقرب أصدقائه إليه، إلى سوداوية فرانز كافكا.
في سخرية ينظر كامو إلى المشهد المسرحي، تتدلي سيجارته على جانب فمه، ويعاود استكمال روايته (الطاعون)، فالمرض الذي ضرب المدينة ليس سوى رمزًا لتفشي السلبية في صورها المختلفة؛ الجهل، والفقر، والفساد، وربما كان أنانية تفتت الحزب طمعًا في المناصب.
في غير اكتراث، يُلقي كامو عُقب سيجارته على الرصيف المضلع المبلل بماء المطر، ثم يسحقه بحذائه، ويمضي في طريقه داسًا كفيه في معطفه الثقيل، يفكر في خاتمة أكثر عبثية للسيد جونسون.