آخبار عاجل

أحمد العمران.. الإعاقة لم تمنعه من النبوغ.. بقلم: د. عبدالله المدني

27 - 06 - 2023 4:54 97

لا يحتاج الفاقد للبصر، كي يحقق مجداً أو طموحاً أو هدفاً، إلا للإرادة والعزيمة والتصميم. هذا ما فعلته الأديبة والناشطة الأمريكية هيلين كيلر، وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والمترجمة والإعلامية العمانية شيخة محمود الجساسي والأكاديمية والمحامية السعودية الدكتورة وحي فاروق لقمان والسعودي عبدالله محمد الغانم (رئيس لجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين ومؤسس المعهد السعودي البحريني للمكفوفين بالمنامة)، وغيرهم. كل هؤلاء كانوا من فاقدي البصر، لكنهم كانوا من أصحاب البصيرة التي مكنتهم من مواصلة خطاهم نحو النبوغ والحصول على أعلى الشهادات العلمية، ومن ثم الانخراط بثبات في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم. وهذا أيضاً ما فعله ابن الإمارات أحمد عبدالله العمران الذي سيكون محور حديثنا.

لم يعرف العمران اليأس، وشق طريقه وسط الظلمة بنجاح، مجتازاً كل التحديات والعوائق، واضعاً نصب عينيه هدفاً واحداً هو عدم الاستسلام وتحدي إعاقته وإثبات أنه لا يختلف عن المبصرين. ولهذا اختير ضمن الشخصيات الـ 43 الذين تم تكريمهم في ديسمبر 2014 بالتزامن مع احتفالات دولة الإمارات باليوم الوطني والذكرى 43 لتأسيس الاتحاد، ومنح وشاح أوائل الإمارات على اعتبار أنه أول إماراتي كفيف يحصل على شهادة الدكتوراه. وبهذه المناسبة سـجل عنه قوله: «التكريم مبادرة رائعة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي عودنا دائماً على مفاجآته الجميلة، وجمع شخصيات رائدة في المجتمع تستحق بالفعل الاحتفاء بها في جميع المناسبات. كان يوم التكريم بالفعل من أسعد أيام حياتي».

ولد العمران في الشارقة عام 1984 ونشأ بها، ابنا لوالده عبدالله بن حميد بن عمران الشامسي المنتمي إلى عشيرة بن عمران من قبيلة الشامسي العربية ذات الامتداد في مختلف دول الخليج العربية.

لم ير صاحبنا الدنيا وما بها من مباهج وأشياء، ولم يتعرف على هيئته أو هيئات أهله ومن حوله لأنه ولد فاقداً للبصر، لكن من حسن حظه أن والديه كانا من المتعلمين تعليماً جيداً فتعاملوا مع إعاقته بمسؤولية وبشكل مثالي. وفي هذا السياق قال في حوار صحافي مع إحدى الصحف المحلية إن أهله «كانوا دائماً يبحثون عن أفضل السبل الممكنة التي تساعدني على التكيف مع إعاقتي. قضيت سنوات من طفولتي وهم يسافرون بي مختلف دول العالم للبحث عن علاج حتى استقر الأمر على تشخيص الأطباء بأنني أعاني ضموراً في العصب البصري أدى إلى فقد كلي للبصر، وبمجرد إدراكهم أنه ليس هناك علاج لحالتي بدأوا البحث عن كيفية توفير التعليم لي والعيش بشكل طبيعي وسط أقراني».

انتقل إلى دبي من أجل الالتحاق بمركز خاص لتأهيل ذوي الإعاقة، حيث درس بشكل منتظم مناهج وزارة التربية والتعليم من الصف الأول وحتى الصف الخامس الابتدائي، مستعيناً بطريقة برايل في القراءة والكتابة والحساب. كانت تلك السنوات المبكرة من حياته بمثابة الإعداد الأولي لما ينتظره. وارتأى والده بعدها أن يسافر إلى المملكة العربية السعودية التي قال عنها إنها كانت في تلك الفترة تقدم تعليماً لذوي الإعاقة.

وهكذا حل العمران في وطن لا يعرف فيه أحداً، وكاد أن يعاني تباريح الوحدة وفراق الأهل والخلان لولا أن العائلة التي أقام عندها في السعودية كانت تمت له بصلة قرابة، ما خفف عنه بعضاً من شعوره بالاغتراب. وهكذا مرت عليه السنة تلو الأخرى وهو يكافح من أجل اجتياز مرحلتي الدراسة الإعدادية والثانوية بنجاح كالأصحاء. وبالفعل تحقق له ما أراد بفضل الله ثم بفضل إرادته الصلبة ومساعدة أقاربه. وفور ظهور نتائج اختبارات الثانوية العامة تقدم بأوراقه في عام 1996 إلى جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض لمواصلة دراسته الجامعية. واختار العمران التخصص في الشريعة والقانون. ومرة أخرى يثبت الرجل أنه عصي على الهزيمة فينال درجة البكالوريوس في تخصصه بتفوق من جامعة الإمام محمد بن سعود في عام 2001.

وهنا غامره شعور بأن درجة البكالوريوس لم تعد في وقتنا الحالي وسيلة للحصول على عمل مناسب ، فما بالك بالكفيف، فسأل نفسه لماذا لا يواصل دراسته في الجامعة ذاتها طالما أنه اعتاد على بيئتها وتعرف على طلابها وأساتذتها وطاب له المقام في الرياض؟ ومن بعد تفكير لم يستغرق منه وقتاً طويلاً قرر البقاء لنيل درجة الماجستير في القانون المقارن من المعهد العالي للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود، وهي الدرجة التي نالها في عام 2003.

روى العمران للصحافة بعضاً من المتاعب التي واجهته خلال سنواته الجامعية فقال ما مفاده إن المناهج الدراسية كانت مكتوبة بالخط العربي العادي، وبالتالي لم تكن مناسبة لطالب كفيف مثله يعتمد على طريقة برايل في القراءة، فاعتمد على تسجيلات صوتية للمحاضرات، لكن شرائط الكاسيت المتضمنة للمنهج الدراسي لم تكن تصله من إدارة الجامعة إلا قبل يومين من تاريخ الامتحانات، وبالتالي لم يكن أمامه وقت كافٍ للمراجعة، واعتمد كذلك على استعارة كراسات زملائه التي كان يقرأها عليه أشخاص بمقابل مادي في الساعة، لكن المشكلة هنا كانت في «رداءة خطوط بعض الزملاء الذين كنت استعين بدفاترهم، فكان من يقرأ لي تواجهه فك الطلاسم التي يكتبونها» بحسب قوله.

على إثر نيله درجة الماجستير عاد إلى الإمارات شاباً في الرابعة والعشرين بعد أن خرج منه طفلاً في الحادية عشرة، ليبدأ مشوار البحث عن وظيفة تناسبه ويستطيع من خلالها العطاء كما يجب. كان سقف طموحاته وقتذاك بلا حدود، وكان قد هيأ نفسه للعمل في سلك التعليم الجامعي. غير أنه اصطدم بالنظرة التي تقلل من قيمة الكفيف، وإن كان حاملاً لشهادات عليا. كان الرد الذي تلقاه ممن بعث لهم شهاداته من أجل التوظيف أنه لن يستطيع الالتحاق بالجامعة للتدريس، وكان التبرير هو صعوبة العمل كمحاضر لمن كان مثله كفيفاً لجهة ضبط قاعات الدرس وعقد الامتحانات وتصحيح أوراقها، وغير ذلك من المبررات. كانت تلك صدمة وخيبة أمل لم يتوقعها ولن ينساها، بل كانت إشعاراً مبكراً له بالنظرة النمطية تجاه الشخص المعاق.

كانت هناك ــ بطبيعة الحال ــ فرص وظيفية أخرى متاحة أمامه في القطاع الحكومي، لكنه في ظل إصراره على العمل الأكاديمي، قرر أن يعود بشهادة أعلى. وهكذا طلب منحة دراسية من الجهات المسؤولة لنيل درجة الدكتوراه في الخارج. وبالفعل مكنه المسؤولون وعلى رأسهم معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان الذي كان يشغل في تلك الفترة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، من تحقيق رغبته، حيث تم إعطاؤه منحة للدراسة في بريطانيا على نفقة الدولة. وعليه سافر إلى إنجلترا في نهاية عام 2004، ليبدأ مشواراً دراسياً جديداً وحياة اغتراب أخرى، وتحديات مختلفة عن تلك التي واجهته في السعودية كون بلد دراسته هذه المرة بلداً أوروبياً لا يعرف فيه أحداً على الإطلاق وليس به قريب له يأخذ بيده ويرعاه.

وهناك التحق أولاً بأحد المعاهد البريطانية المتخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، وبعد أن شعر بأنه صار متمكناً من هذه اللغة قراءة وكتابة وتخاطباً التحق ببرنامج الدكتوراه في جامعة إسيكس University of Essex بالقرب من مدينة كولشيستر. وفي هذه الجامعة أمضى أربعة أعوام ونصف اعتاد فيها على الحراك دون مرافق إلى أن حصل على درجة الدكتوراه في القانون الخاص من بعد نحو خمس ساعات من مناقشة أطروحته التي حملت عنوان «تعزيز حق العمل للمعاقين في دولة الإمارات العربية المتحدة: دروس مستفادة من تجارب دولية».

وانكب العمران على دراسة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ولاسيما تلك المتعلقة بمعالجة التمييز ضد ذوي الإعاقة والفئات المهمشة، وتبحر في تجارب الدول المتقدمة وتشريعاتها لحماية هذه الفئات في المجتمع وصيانة حقوقها في العمل والمساواة بينها وبين الفئات الأخرى.

وخلال فترة دراسته في بريطانيا، وتحديداً بعد مضي نحو عام عليه هناك، قرر أن يتزوج ويكوّن أسرته الصغيرة فاختار شريكة حياته من أسرة إماراتية واعية ومؤمنة بطموحاته وأهدافه في الحياة، دون أدنى تقليل من شأنه كونه كفيفاً. يقول العمران في هذا السياق إن المكفوفين في الإمارات كانوا سابقاً يواجهون صعوبة في الزواج لكن الأحوال تبدلت اليوم.لكن هل عاود صاحبنا البحث عن وظيفة أكاديمية بعد عودته إلى وطنه مكلّلاً بدرجة الدكتوراه؟ الحقيقة ــ كما ذكرها بنفسه في حوار صحافي أنه سعى إلى ذلك لكنه صادف أثناء البحث أن المؤسسات الحكومية بحاجة إلى تخصصه، فتم منحه في عام 2011 فرصة التوظيف بوزارة الشؤون الاجتماعية للعمل كباحث متخصص في حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة. ويبدو أن الرجل شعر بالارتياح من وظيفته بهذه الوزارة وأدرك صواب اختياره بعد أن قدم له الفريق العامل معه كل أنواع الدعم والتقدير ووفر له كل السبل والإمكانات والأدوات والبيانات ليعمل على تطوير التشريعات ذات الصلة بحماية حقوق ذوي الإعاقة ودمجهم في المجتمع وتوفير بيئة آمنة ونموذجية لهم.

وبعد أن تطورت مهاراته وقدراته العملية، خرج من وظيفته بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لينضم إلى الطاقم الاستشاري لسياسات واستراتيجيات التنمية المستدامة في المجلس التنفيذي لإمارة دبي، حيث شرع في العمل بدءاً من عام 2016، وفي العام التالي تحقق ما دعا وطالب به طويلاً، وذلك حينما تشكل «المجلس الاستشاري لأصحاب الهمم»، من 15 فرداً برئاسته، وذلك بهدف التعريف بالسياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بهدف توفير كل سبل الحياة الكريمة لجميع فئات المجتمع، والتركيز على بناء الإنسان، ودمج أصحاب الهمم في المجتمع، وإلغاء كل الحواجز التي تعيق تمتعهم بحياة كريمة ذات مستوى جيد، وتمنحهم مختلف الخدمات بسهولة ويسر.

وبصفته الوظيفية الأخيرة شارك العمران في بعض المؤتمرات ذات العلاقة بتخصصه، ومنها الدورة العاشرة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حقوق المعاقين التي عقدت تحت عنوان «العقد الثاني لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة» في نيويورك عام 2017. وأخيراً فطوال مسيرته العلمية والمهنية كان رفيقه الدائم هو الكتاب وعشقه الأبدي هو القراءة، ولاسيما في كتب التاريخ والسياسة والقانون، وكان يمزجها بقراءة الروايات الأجنبية في أوقات فراغه، مفضلاً إياها على كتب الرواية العربية بسبب ضعف محتواها، كما قال. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي هي سبيله للبحث عن آخر الإصدارات الجيدة، دون أن يتجاوز ذلك إلى إضاعة وقته باستغلال هذه المواقع للتعبير عن توجهاته وآرائه الخاصة حول هذا الموضوع أو ذاك.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved