كتبت البروفيسورة الأمريكية باربرا والتر—أستاذة العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا— كتاباً خطيراً بعنوان «كيف تبدأ الحروب الأهلية». أكاديمياً، اهتمام الأستاذة والتر عالمي، ولكن وجدانياً اهتمامها محلي. وقد استهلت كتابها بحادثة حصلت في ولاية ميتشيغان الأمريكية.
الحادثة تمثلت في محاولة ميليشيا في تلك الولاية بمؤامرة لاختطاف حاكمة الولاية قريتشين ويتمر، والسبب يعود إلى جائحة كورونا في 2020 التي ضربت الولاية بشكل شديد مما حدا بحاكمة الولاية بإعلان إغلاق كامل على مستوى الولاية. وقد رأى أصحاب الميول اليمينية والميليشياوية أن هذا الإغلاق جزء من تعسف السلطات، بل تغولها، على الحريات الفردية التي قامت عليها الجمهورية الأمريكية.
وقد سعى أربعة عشر شخصاً إلى حياكة مؤامرة لاختطاف حاكمة الولاية كخطوة أولى لإشعال فتنة وعصيان شعبي. إلا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» كان لهم بالمرصاد، واستطاعت سلطات إنفاذ القانون اختراق التنظيم والتنصت على اتصالات المجموعة، وألقت السلطات القبض عليهم قبل أن يستطيعوا تنفيذ مؤامرتهم.
ورغم أن قادة الحزب الجمهوري والديمقراطي شجبوا المؤامرة، إلا أن الرئيس آنذاك دونالد ترامب أطلق تغريدة ينتقد فيها أداء حاكمة الولاية.
وقد تبع هذا الحادث الهجوم على مبنى الكونغرس في السادس من يناير 2021 من قبل أنصار ترامب لإلغاء نتائج الانتخابات والتي أطاحت بمرشحهم المفضل. وهي حادثة فريدة من نوعها حيث يلجَأ المختصمون السياسيون عادة إلى المحاكم لفض خلافاتهم حول النتائج الانتخابية. وقد فسر المراقبون هذا الحدث على انه تراجع للديمقراطية وعلى الوهن الذي أصيبت به المؤسسات السياسية الأمريكية.
ولكن الكاتبة تعتقد أن المسألة تتجاوز تراجع الديمقراطية وعجز المؤسسات إلى أن هذه نذر حرب أهلية، وتقول إن من دراساتها للحروب الأهلية في مناطق متعددة من العالم بدأت بطريقة مشابهة. وأن هذه المؤشرات استهلت في الظهور على التراب الأمريكي والذي يجعلها مقلقة.
كانت الحروب الأهلية في السابق تظهر على شكل جيوش متقابلة ومتقاتلة كما كانت الحرب الأهلية الأمريكية في القرن التاسع عشر، ولكن الحروب الأهلية اليوم—والكلام للأستاذة والتر—تشنها إثنيات متصارعة أو مجموعات دينية مسلحة وتستهدف مدنيين.
والحادثة في ميتشيغان تتشابه مع الحالات التي قامت بدراستها الكاتبة من حيث أن الولاية شهدت انحداراً اقتصادياً أدى إلى تفشي البطالة والعوز والسخط الاجتماعي. كما أن الولاية منقسمة عرقياً وجغرافياً بين السود والبيض، وولاية ميتشيغان تتميز بثقافة سياسية مناهضة للحكومة. ويرتع بهذه الولايات أكبر أعداد من الميليشيات المسلحة على المستوى الوطني، مما يجعلها قابلة للتفجر العنيف. ولا غرو، تقول الكاتبة، إن أول محاولة لإشعال فتيل الحرب الأهلية حصلت في هذه الولاية.
وتقول الكاتبة إن البعض قد يتساءل عن أن مجرد تخيل حرب أهلية في الولايات المتحدة أمر مستحيل، وأن الولايات المتحدة غنية، ومؤسساتها مرنة وقوية، وأنها تستطيع أن تتغلب على أي تحديات وبالتالي يستحيل أن تقع أحداث تقود إلى حرب أهلية. وإذا وقعت أحداث خطيرة تستطيع الدولة بقوتها الجبارة أن تستأصل شأْفتَها.
ولكن الكاتبة تصر على أن نذر هذه الحرب قريبة، ولفهم هذه الإرهاصات الأولى للحرب القادمة في أمريكا علينا فهم كيف بدأت الحروب الأهلية في بلدان أخرى. وترى أن التنبؤ بهذه الحروب أصبحت سهلة وواضحة المعالم. وهي هلعة بحدوث حرب أهلية ثانية في الولايات المتحدة.
وترى والتر في ظواهر تسييس لبس الكمامات في الولايات المتحدة خلال الجائحة والاعتداء على مبنى الكونغرس لوقف اعتماد نتائج الانتخابات هي التي طفت على السطح، ولكن هناك أسباب عميقة للأزمة المقبلة. وتتمثل هذه الأسباب في التغير الثقافي والديمغرافي للبلاد واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن المواطنين الأمريكيين حبيسي الديماغوجيين في وسائل الإعلام والنظام السياسي. والحالة تتكرر في الديمقراطيات الأخرى التي شهدت صعود تيارات شعبوية.
سردية تراجيدية لدولة أقامت حضارة كبيرة ذات تأثير عالمي ودستور دام ما يزيد على قرنين من الزمن. يقال إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالزكام، فماذا يحصل إذا دخلت في أتون حرب لا هوادة فيها؟