كان الصيف مألوفاً ولا يزال في بلادنا مملكة البحرين، ونقول في أدبياتنا وأقوالنا المأثورة «عصرة الصيف» تنضج الرطب، والمعروف أن رطب البحرين يأتي متسلسلاً زمنياً، فالبشرة هي البداية ثم الغرة والإخلاص والخنيزي وما يستتبعه من أنواع اشتهرت بها نخيل البحرين، بحيث ينتهي موسم الصيف وعندنا أنواع من التمور تحتفظ بها كل أسرة وتقدم كهدايا «وقدوع» للضيوف، وكنا نتبادل هدايا ثمار النخلة مع جيراننا وأهلنا في البحرين والخليج العربي، فليست التمور هدية عادية بل هي غذاء، ودخلت في ثقافتنا وفي أمثالنا الشعبية، فقد قيل المثل «كحامل التمر إلى هجر» ويعنون بذلك أنك تحمل التمر إلى هجر وهي مملكة قديمة في شرق الجزيرة العربية اشتهرت بأنواع الرطب، ورغم ذلك فقد توجد أنواع من التمور لا توجد عند جيراننا، وثمار النخلة لا تنقطع والحمد لله طوال العام وهو غذاء ونوى التمر يستفاد منه في غذاء الحيوان والبهائم، كما تم تطوير نوى التمر في عمل القهوة الشعبية التي يستسيغها بعض عشاق القهوة العربية.
كان تعويضنا عن حرارة الجو في الصيف وقتها الاستفادة من برك السباحة والعيون الطبيعية التي انتشرت في مدن وقرى البحرين، كما أننا اعتدنا في الصيف أن يكون لنا الملابس الخفيفة التي تناسب حرارة الجو.
خيراً فعلت الدولة في هذا العام أن تم التركيز على ثمار اللوز بأنواعه وأشكاله وأحجامه، فشجرة اللوز يستفاد من أوراقها في أغراض شتى ومنها الزينة كما يستفاد من النوى ونطلق عليه «صلوم» في تزيين
الحلويات، واشتهرت البحرين بأنواع اللوز، فهي بالفعل بلد المليون نخلة لكنها أيضاً اشتهرت بلوز البحرين الذي هو مادة طيبة كهدايا، صحيح أنه جاء وقت لم يتم الاهتمام بهذه الثمرة، ولكن المبادرة الوطنية والمتمثلة في رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله بالزراعة والتشجير جعل مملكة البحرين ذات مساحات خضراء تدخل السرور إلى النفس التواقة إلى مناظر الطبيعة الغناء، مملكة البحرين في كل فصولها بها زراعة وثمار تناسب كل فصل، وإذا كانت المساحة المزروعة تواجه التحدي العمراني، فإن عادة البحرينيين بأهمية الزراعة ولو كانت محدودة في بيوتنا إلا أننا مطالبون بتشجيع هذا النوع من الزراعة، وبالفعل كانت مبادرة الأجداد والآباء في الاهتمام بالزراعة المنزلية جعل منا كأبناء نفخر بما تجود به أراضينا من خير، فالبحريني بفطرته يعشق الاخضرار، وهناك ثمار موسمية اعتدنا رؤيتها ونحن أطفال في بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا، وكان بحق مهرجان التراث السنوي الذي كان يقام بمتحف البحرين الوطني يلقى قبولاً من البحرينيين وأهلهم في خليجنا العربي بالإضافة إلى المقيمين من مختلف الدول العربية والأجنبية وكان اتخاذ هذا المهرجان «النخلة» شعاراً لإحدى دوراته لقى صدى طيباً خصوصاً وأن إدارة الزراعة قد أهدت الكثير من شتلات النخيل على المواطنين، فكان الإقبال عليها منقطع النظير، وأحسب أن البعض يتمتع الآن بوجود النخلة في بيته والتي كانت في يوم من الأيام «نجيلة».
سيظل الصيف على شدة الحرارة مذكراً لنا بأيام كنا نعيشها ونحن متكاتفين في التمتع بثمار النخيل وغيرها من الأشجار المثمرة في الصيف وغير الصيف...
إن العالم اليوم يواجه تحدى الموارد الغذائية والحبوب المختلفة والأرز وهو تحدي فرضته الحروب وفرضته عدم الاهتمام بالزراعة والمساحات الخضراء والمطلوب منا أن نلتفت لهذا الفقر في الحبوب والثمار؛ فقد أصبح الأمر في هذه الثمار بمثابة إستراتيجية الغذاء وما يستتبعه من نقص يؤثر على أقتصاد الكثير من البلدان ويخلق مشاكل لا يعلمها إلا من لديه شح طبيعي في هذه النعمة.
سيظل تعلقنا بالتشجير مسؤولية وطنية وقومية وكما كان يقال في تراثنا وموروثنا «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون» وعلينا اليوم أن نحمل هذا الشعار فعلاً لا قولاً وأن نثبت للأجيال إن المسؤولية كبيرة والكل عليه أن يساهم ويبذل الجهود من أجل الخير ومن أجل أن تظل بلادنا خضراء يانعة.