لست من مرتادي السينما، لكنه أوبنهايمر !!.
حظي الفيلم بتغطية إعلامية واسعة وضعته في مصاف أحد أهم أفلام القرن الحادي والعشرين. والأمريكيون بارعون في صناعة البطل، بداية من تحويل شخص إلى ماركة مسجلة؛ مثل ألفيس بريسلي، ووالت ديزني، ومايكل جاكسون، وإيلون ماسك وغريمه مارك زوكربيرج، حتى ابتلاع بلد بأكمله على طاولة الإفطار مع برميل نفط، بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل.
ماذا يمكن أن تكون عليه أسلحة دمار أكثر مما تمتلكه أمريكا من قنابل ساحقة ماحقة لم تتردد في استخدامها خلال الحرب العالمية الثانية بإلقاء قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي في أغسطس 1945، بفارق 3 أيام، صُنعت تحت إشراف روبرت أوبنهايمر، أبو القنبلة الذرية.
قضى الكاتبان الأمريكيان كاي بيرد ومارتن شيروين ربع قرن في كتابة سيرة حياة الرجل، ليصدر الكتاب عام 2005 تحت عنوان (بروميثيوس الأمريكي)، تسمية ذات دلالات عميقة تعود للحضارة اليونانية.
تحكي الأسطورة أن بروميثيوس كان أحد العماليق الـمُحبين للبشر، منحهم الكثير من أسرار العلوم مما أثار غضب آلهة الأولمب عليه، لكنهم في كل مرة كانوا يعفون عنه، إلى أن سرق جذوة نار من هيفاستوس، إله الحدادة، وأعطاها للبشر، فعرفوا طهي الطعام، والدفء، وتسخير المعادن وصناعة الأسلحة، فغضب عليه زيوس، كبير الآلهة، وقرر معاقبته، فطلب من هيفاستوس أن يكبله بالحديد في أحد صخور جبل القوقاز، ثم جاء بنسر ينهش كبده كل صباح فيعود وينمو في المساء، لتتجدد آلام بروميثيوس مع كل إشراقة شمس.
أوبنهايمر هو بروميثيوس القنبلة النووية؛ عَلَمَ أمريكا سر الصنعة، ومن يومها تسعى الدول لمستوى تدمير أعلى، فبعد تمكن الاتحاد السوفيتي من صناعة قنبلة مشابهة عام 1949، سخرت القوتان العظمتان جهودهما لإنتاج قنبلة هيدروجينية، ثم أخرى نيوترونية، والبقية تأتي. ولا عزاء للإنسانية !.
حول كريستوفر نولان السيرة الذاتية إلى فيلم سينمائي يحمل من الشجن والعلاقات الإنسانية والانفعالات ما يصعب نقله بالكلمات، تاركًا الحكم للمشاهد على لا أخلاقية الطموح العسكري وإساءة استخدام الذكاء العلمي، ليذكرنا بالكوارث المنتظرة للأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إن تُرك بلا ضوابط تحدد مساراته وغاياته.
هل اخترع الأمريكيون كذبة السباق الوهمي مع الألمان لصنع قنبلة نووية، بهدف إيجاد غطاء شرعي يحشد ويشحذ جهود أكثر من آلاف العلماء العاملين تحت قيادة أوبنهايمر في (مشروع مانهاتن)، ربما !!، وربما لإيجاد مبرر أخلاقي لإقدام العلماء على اختراع قنبلة تقتل مئات الآلاف في دقائق معدودات دون ندم، وتجنب الوقوف عاجزين أمام ضمير يسألهم ذات يوم؛ أوطنيون نحن أم قتلة؟.
فارق هائل بين نجاح تجربة عاش العلماء من أجل تحقيقها سنوات طويلة داخل المختبرات العلمية، وبين استخدامها ضد مدنيين عُزل يفركون عيونهم من أثر النوم، ثم بضغطة زر تحولت المدينة إلى جحيم.
عمل سينمائي قرر منتجوه منذ اللحظة الأولى أن يكون عالميًا بامتياز، علامة فارقة صنعها فريق يحمل أفراده قائمة من أرفع الجوائز العالمية. تقاسم البطولة إيميلي بلنت الإنجليزية والأيرلندي كيليان مورفي، وللاثنين رصيد كبير من الأعمال التليفزيونية والسينمائية والجوائز، وإن كانت أهم أفلام مورفي تلك التي عمل فيها مع كريستوفر نولان مؤلف، ومنتج، ومخرج أوبنهايمر، والذي تخطت العديد من إيرادات أفلامه المليار دولار وسجلت أخرى مئات الملايين؛ ثلاثية فارس الظلام، زرع الأفكار.
تتسم أفلام نولان بالعمق والنظرة الفلسفية، وعلى حد قوله أنه يصمم ويرسم كل مشهد في خياله قبل تنفيذه في الواقع. جملة ذكرتني بالرائع الراحل شادي عبد السلام (1930-1986) مؤلف ومخرج فيلم المومياء. وللحديث بقية.