آخبار عاجل

عبر من الماضي.. خليل الذوادي

11 - 08 - 2023 9:22 127

تذكرتك يا جدي العزيز محمد بن صالح الذوادي يرحمك الله ومثواك الجنة ورضوان النعيم يوم أن قلت لنا ونحن في قرية الجسرة إنني عزمت أن أزور الأهل في مدينة الحد، ويومها لم يكن إلا باص واحد أسبوعيًا ينقل المسافرين من الجسرة إلى المنامة، حيث سوق الأربعاء، وما عدا ذلك فإن وسيلة الانتقال هي المشي جهة الساحل الممتد من الجسرة إلى البديع مرورًا بالقرى الساحلية، ومن ثم الانتقال إلى المنامة فالمحرق فالحد عبر حافلات تقف في مواقف مخصصة، لم يكن ذلك غريبًا، فالكل كان يعشق المشي ويمر بمواقع زراعية وما يضفيه الساحل من عمق في التخيل وشعور إنساني بعمق الترابط بين أفراد المجتمع، فلك أن تأكل من خيرات النخيل أو الأشجار المثمرة دون أن تتعرض للإساءة إليها، وكان المزارعون يفرحون بأن يتم الأكل من الخيرات فهي صدقة جارية عندما يأكل منها الإنسان من أجل حاجته الماسة للغذاء في أثناء هذه الرحلة.. ويتم بعد ذلك العودة إلى قرية الجسرة بنفس المشوار، كان الترحال بمنزلة الواجب الذي يؤمن به ذلك الجيل من الأجداد والآباء بالالتزام بالمهنة التي احترفوها وهي الغوص على محار اللؤلؤ والاستعداد لرحلة السفن لطلب الرزق وما تتضمنه من تعاون وثيق بين مالك السفينة والنوخذة وبقية أفراد طاقم السفينة... كانت سفن الغوص قبل السفر يتم صيانتها وتجهيزها لتكون عند مستوى الفترة التي يتم فيها الغوص الصغير والغوص الكبير بحساب زمن الرحلة المقررة، وتزويد السفن بالمؤونة اللازمة من غذاء وماء، والكل كان يعرف دوره المقرر له، ويسهم بالضرورة في نجاح موسم الغوص. 

كان التواصل بين البحارة وقائد السفينة يتسم بالاحترام والتقدير، حتى في فترات «القفال»، وهي فترة المكوث في البر بعد انتهاء موسم الغوص. 

فكانت الزيارات تتم بينهم وفي مناسبات كثيرة يحرصون على التواصل بينهم والزيارات المتبادلة شعورًا بأنهم بحاجة إلى بعضهم بعضًا في البحر والبر، وأداء الواجب نحو بعضهم بعضًا هو في سجل إخلاصهم لبعضهم بعضًا. 

حاول الجد أن يمنحنا فرصة التدريب على السير على الأقدام إلى مسافات طويلة تتخللها طبعًا استراحات لدى أصدقائهم ومعارفهم حتى نصل إلى غايتنا، تطورت بعدها وسائل النقل وأصبح لكل قرية ومدينة وسائل النقل المتعددة من سيارات وحافلات ودواب، وأصبح التواصل أكثر سهولة ويسر، وباتت أسواق الأربعاء والخميس تستقطب الأعداد الكبيرة من الزوار من مدن وقرى البحرين، وليس بغريب أن تجدهم يسلّمون على بعضهم بعضًا. 

فقد عملوا في مهن مختلفة جمعتهم لقمة العيش الحلال، فأصبحوا أصدقاء وزملاء عمل ومهن ربط بينهم رباط الألفة والمحبة والعمل من أجل خيرهم وخير وطنهم. 

أتذكر كثيرًا تلك المواقف التي مررنا بها أيام كنا نذهب إلى المنامة غالبًا يوم الخميس مساءً لحضور عروض السينما المتنوعة الأفلام العربية، والهندية والأمريكية، وعندما نتأخر لطول الأفلام نذهب إلى نقطة تجمع الباصات بالقرب من فريج النعيم بالمنامة بانتظار سيارات النقل للبديع والقرى الممتدة على هذا الطريق، فنعجز عن الحصول على السيارات التي تنقلنا إلى قرانا ومنها قرية البديع، فقد تأخرنا يومًا في مشاهدة الفيلم الهندي ولطول هذا الفيلم كانت سهرتنا ممتدة، وحاولنا بعدها الحصول على سيارة أنا وعمي صالح بن محمد الذوادي وصديقنا محمد بن عرفج فلم نعثر على حافلة تنقلنا إلى البديع، فقررنا نحن الثلاثة أن نمارس هوايتنا المعهودة بالسير على الأقدام طول هذه المسافة غير مبالين بمخاطر الطريق ولم نصل إلى بغيتنا قرية البديع إلا مع أذان الفجر، هذه حكاية ذكرتها في إحدى مقالاتي السابقة ولكن لعبرة المسير أُعيد تذكرها من جديد لأخذ ما يفيد منها لدى أجيالنا الحاضرة التي أصبحت بينهم وبين المشي على الأقدام جفوة لتوفر وسائل النقل المختلفة ولكون أجيالنا عندما يبلغون من العمر الذي يؤهلهم لتعلم السياقة تجدونهم يسعون للتعليم واقتناء سيارة في تنقلهم ولو كانت المسافات قصيرة. 

لقد عشنا زمنًا نعتمد فيه كثيرًا على أنفسنا، وبتنا نتعاون في سبيل توفير حافلة تقلنا من قرانا إلى حيث تعج الحياة بالمنامة بالسينماهات والمطاعم والمقاهي فنقضي يوم الخميس مساء كل أسبوع ليلة الجمعة في الترفيه عن أنفسنا، وخلق برنامج نجد فيه أنفسنا وقد اعتمدنا على بعضنا بعضًا، وهو تغيير في روتين الحياة الأسبوعي لنجد أنفسنا نكتشف عوالم أخرى ونتعرف على أهل البحرين بتعاوننا مع الزملاء الذين جمعتنا بهم الدراسة الإعدادية والثانوية، وبعدها العمل في وزارات الدولة ومؤسساتها. 

 المجتمع البحريني عرف بتعاونه وتفاهمه وتواضعه في خدمة الآخرين، خصوصًا من جمعتهم بهام الحياة العملية والدراسية والجيرة، فكون مثلاً شارع البديع يضم العديد من القرى فأصبح الباص الخشبي وسيلة لتعارفنا وتعاوننا مع بعض، كذلك الباصات التي تنقل الركاب من المحرق إلى القرى الأخرى كالدير وسماهيج وقلالي فالحد، بالإضافة إلى الباصات التي تنقل أهل الرفاع وغيرها من القرى الممتدة، فوسائل النقل كانت عاملاً أساسيًا في التعارف وتشكل لُحمة هذا المجتمع، اليوم مع انفرادنا بسياراتنا الخاصة لا نتذوق طعم تلك الأيام، ولكن عزاءنا أننا نتعارف في الدراسة، والعمل وظروف الحياة التي تجمعنا. سيظل البحريني مقدرًا لعلاقته بمواطنيه من مدن وقرى مملكة البحرين، والله يجمعنا ولا يغير علينا. 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved