"انتهى عصر الاحتباس الحراري، وحل عصر الغليان العالمي"، بهذه العبارة المقتضبة البالغة الدلالة دق السيد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، جرس إنذار جديد ضمن طابور أجراس طويل يعزف عليه منذ توليه المنصب يناير 2017، عسى أن تتخذ الدول الصناعية الكبرى إجراءات جادة وفورية للحد من تغير المناخ.
أفلت عيار المناخ وشهد صيف هذا العام ارتفاعًا كبيرًا في متوسط درجات الحرارة، اتسمت موجاتها بطول مداها الزمني، وتخطي حاجز أربعين درجة مئوية، وقِصَر المدد البينية لدرجات الحرارة المعتدلة.
امتدت حرائق الغابات عبر الحدود، حجبت حرائق غابات كندا الرؤية في العديد من الولايات الأمريكية الواقعة على الساحل الشرقي للبلاد؛ مثل نيو هامبشير وفيرمونت. وشهدت سلوفينيا، وكوريا الجنوبية وهايتي فيضانات عارمة أسفرت عن مقتل وفقد وجرح العشرات، بينما تسببت الأمطار الغزيرة في الصين، والهند، وباكستان، وإيطاليا، وبعض الولايات الأمريكية في سقوط العديد من الضحايا بعد ما خلفت دمارًا شديدًا.
عبر منصة لينكد إن، طرحت سؤالاً عن الرأي فيما أعلنه السيد جوتيريش، شارك فيه عدد محدود وجاءت مؤشراته بموافقة 69% بأن عصر الغليان قد بدأ، بينما رفض 19% هذا الرأي، وأشارت النسبة الباقية إلى صعوبة اتخاذ قرار لعدم وضوح الرؤية.
الموافقة الكاسحة –ولو من عينة صغيرة- لها دلالتها بقناعة الغالبية بصعوبة استئناس المناخ عبر إجراءات يسيرة الكلفة، كما أشارت تعقيبات السادة المشاركين في التصويت إلى الشك في صلاحية الكثير من مبادرات الحد من انبعاثات الكربون في ظل تناقض الدعوة لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وفي نفس الوقت إقرار مخصصات دعم تجاوزت واحد تريليون دولار، بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة 2022.
في الطب، تظل كلفة العلاج الباهظة يسيرة ما بقيت العين المصابة تؤدي دورها، وإن طالت المدة، فإذا ما فقدت وظيفتها صارت التكلفة صفرًا. لم يعد هناك مجال للعلاج.
كوكب الأرض هو تلك العين التي تفاقمت إصابتها، وتخطت حساسيتها تبعات فصل الصيف إلى غيره من الفصول، يضربها الجفاف جراء ارتفاع معدل بـَخر الدموع، ومزيد من الالتهابات وتورم الحافة الخارجية للجفون مع طول فترات التعرض المباشر لأشعة الشمس.
تفاقم مشكلة العين مع توافر العلاج -وإن لم يملك كل المرضى دفع ثمنه- يعطي الأمل في الشفاء وفي استرداد العين عافيتها. الإسقاط على العمل المناخي مختلف؛ فقدرة الدول الغنية على دفع تكاليفها لا يعفيها من تبعات المرض، إذ يتسم العمل المناخي بأنه محلي الفعل، عالمي التأثير.
فما تشهده هايتي من تغيرات مناخية مدمرة لا يرجع إلى اقتصادها الزراعي وناتج قومي لا يتخطى تسعة مليارات دولار سنويًا، ولا باكستان التي يعيش ثلث سكانها البالغ عددهم أكثر من مائتي مليون تحت خط الفقر، ولا باقي الدول النامية المكوية بنيران الصيف والجفاف، إنما مرده إلى تبعات الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر والاستخدام المفرط للموارد الطبيعية.
ارتفاع قيمة فاتورة مكافحة آثار تغير المناخ إلى أكثر من ثلاثة تريليون دولار سنويًا ما لم تتخذ الدول الكبرى اجراءات جادة، بحسب تقرير مركز ديلويت للتقدم المستدام Deloitte Center for Sustainable Progress (DCSP) ، والمنشور العام الماضي، يضع العالم على المحك.
التأخر في التحرك يمد نطاق مقولة السيد أنطونيو جوتيريش إلى قطاعات أخرى أبرزها غليان الاقتصاد فوق جمر التضخم وتجريد عدة طبقات من المجتمع من أبسط حقوقها، وغليان السياسة على وقع طبول الحرب الروسية الأوكرانية وخشية امتداد جذوتها إلى دول أخرى مما يحولها إلى حرب عالمية تضع كوكب الأرض في عين الشمس.