استغرق الياباني ميكيموتو كويتشي نحو اثنتي عشرة عامًا حتى تمكن من استزراع اللؤلؤ وإنتاجه بشكل تجاري عام 1893، بعد ما أوشك على الإفلاس، لم يفقد يقينه، كان واثقًا أن منهجه العلمي سوف يصل به يومًا ما إلى هدفه، وقد كان. وعبرت تجربته عن منهج ياباني أصيل في تخطى المستحيل.
خيمت على العالم خلال السنوات القليلة الماضية –وما زالت- أحداث جسيمة شَحُبَ معها ضوء الأمل في دول وانطفأ في بعضها. لم يعد النظر في خريطة العالم عامة، والدول العربية خاصة، يدعونا للابتسام، بات يصيبنا بالذعر. انقلابات، وحروب أهلية، وحروب عابرة للحدود، تبدأ ولا تنتهي. وحين تطول الحرب ينسي أطرافها من أطلق الرصاصة الأولى، ولا يعرفون لأي هدف يحاربون.
نحتاج صبر ودأب الياباني ميكيموتو لإعادة استزراع الأمل في أصداف القلوب الحزينة. تحدي صعب يواجه الإنسانية مثلما واجهها في أوقات قاتمة كثيرة في الماضي؛ كوارث طبيعية، وأوبئة حصدت أرواح الملايين، فضلاً عن حربين عالميتين خلفتا أكثر من ستين مليون قتيل، ثلثيهم من المدنيين.
عندما يعترينا الإحباط وتغيب القدوة تذوب جبال جليد الصبر في وهج شمس اليأس مكتسحة في طريقها بذور الأمل وشتلات الرجاء، حتى يأتي من يعيد هندسة المشهد وإعادة توزيع الأدوار، ويغرس بيديه وبسواعد من حوله بذور أمل جديدة في بساتين الشعوب.
يعلمنا الفيلسوف هيرقليطس بأن "التغيير هو الشيء الثابت في حياتنا"؛ ومن ثم يكمن التحدي في التحكم في مساراته واستيعاب تبعاته، مع الانفتاح المعلوماتي وذوبان الحدود الفضائية بين الشعوب لم يعد ثمة فرق بين رفيف فراشة داخل المنزل أو في الجوار، ما يحدث في الصين تتداعي تبعاته على المقيم في (قرية عزلاءَ منسيّهْ شوارعُها بلا أسماء)، كما يقول الشاعر محمود درويش (1941-2008).
إعادة النظر في التجارب الذاتية -حتى حال تتابع النجاحات- يقلل من أثر الإخفاقات والعثرات في عالم معقد التشابكات. التقييم مطلوب على سواء، وبشكل محايد، مع شجاعة الاعتراف بالأخطاء والمسئولية، وسرعة تصحيح المسارات يُضَفِرْ روابط ثقة متينة بين المستويات كافة.
في المقابل، يحتاج استزراع الأمل إلى تربة مستعدة لنسيان ما مضى من عثرات، تربة يتجدد هواء حريتها دائمًا، منفتحة على كافة الآراء، وتوقن بأن لا قرارات تتخذ مساءً لنجني ثمارها في الصباح، بل هناك تعب وكد وزمن تحتاجه البذور كي تستوي على سوقها، وبأن منها ما هو متجدد الإثمار على مدار العام، ومنها ما هو فصلي الطابع.
دأب السيد ميكيموتو لأكثر من عشرة أعوام جاء نتاج ثقافة يابانية انصهرت فيها ثقافات شتى رسخت في وجدان الجميع أن لا بديل عن العلم والاجتهاد، فقرر بعد سنوات من العمل في صيد الأسماك التفكير في استزراع اللؤلؤ.
أحفاد السيد ميكيموتو هم الذين تعرضوا في مثل هذا الشهر من عام 1945 إلى قنبلتين نوويتين في هيروشيما ونجازاكي، راح ضحيتهما قرابة ربع مليون مواطن فضلاً عن استسلام اليابان وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية. وأحفاده أيضًا هم من قرروا استزراع الأمل في القلوب لتنهض اليابان ثانية وتبهر العالم بابتكاراتها.
لا شيء يأتي صدفة، ومصباح علاء الدين ليس سوى حدوتة حكتها الجدة لأحفادها قبل النوم، وحولتها شركة والت ديزني إلى فيلم وانتهى الأمر. لا أمنيات تتحقق بلمسة مصباح، ولا جني يستطيع في غمضة عين تنظيم موكب أسطوري الاستعراضات والألوان لتقديم الأمير إلى الأميرة ياسمين.
لا بديل عن طريق العلم والاستفادة من التجارب الذاتية قبل الخارجية لاستزراع الأمل واستنباته في تربة صالحة تمنح البستاني ثقتها.
.