تزامن نشر مقال الأسبوع الفائت (استزراع الأمل) -بنفس الزاوية- مع مقالين الأول بجريدة الشرق الأوسط للصحافي الإيراني المقيم بلندن أمير طاهري بعنوان (بريكست وسياسة اليانصيب)، والثاني للأستاذ محمد أمين المصري بجريدة الأهرام بعنوان (الأسطورة جوارديولا).
تماس المقالان مع محور هام تمت الإشارة إليه في مقال (استزراع الأمل)، دعا إلى "إعادة النظر في التجارب الذاتية، حتى حال تتابع النجاحات، ...... مع شجاعة الاعتراف بالأخطاء والمسئولية، وسرعة تصحيح المسارات، ...".
افتتح الأستاذ طاهري مقاله بجملة صادمة جاءت على لسان السياسي البريطاني نايجل فاراج الذي قضى سنوات طويلة من عمله السياسي والبرلماني يدعو لخروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوربي، فيما عُرف باسم (بريكست)، قال نايجل في مقابلة تليفزيونية (لقد فشل بريكست).
قالها الرجل دون مواربة أو محاولة وضع مساحيق تجميل يُزين بها إصراره السابق للبريكست أو يُخفي بها نتيجة يستشعرها معظم مواطني المملكة المتحدة، فكما كان يقف ويعلن رفضه الصريح لاستمرار التبعية –كما كان يتصور وقتها- للاتحاد الأوربي، أعلن على الملأ فشل البريكست.
بعدها بيوم، كتب بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في عاموده اليومي بعد تفرغه لعمله الصحفي (لا تزال المملكة المتحدة عالقة في مدار الاتحاد الأوربي). جونسون الذي انتخبه البريطانيون ليحقق حلم الأغلبية بالخروج من الاتحاد الأوربي، بانفصال تام لا رجعة فيه، بعد نحو 48 عاما من العضوية، يقر ويعترف أن بريطانيا لم تحقق حلمها، وبأن هناك فارق كبير بين نظرية البريكست التي عمل عليها مع أقطاب حزبه وساندها الناخبون، وبين الواقع الذي تفرضه اتفاقيات وعلاقات اقتصادية متشابكة مع دول الاتحاد الأوربي، يمكن حال نقضها تعرض الاقتصاد البريطاني للانهيار.
من ذات البلد، بريطانيا، وعلى أرضية الملاعب الخضراء والشغف بالساحرة المستديرة، صرح بيب جوارديولا، مدرب فريق مانشستر سيتي لكرة القدم، بأنه من المستحيل تكرار إنجاز الموسم الماضي، وقت فاز الفريق بثلاث مسابقات؛ الدوري الممتاز وكأس الاتحاد والدوري الأوربي.
رفض جوارديولا استغلال مشاعر جماهير الفريق وكذلك إدارة النادي والعزف على وتر أنه المدرب الأسطورة القادر على حصد الجوائز والفوز في المسابقات. مُدرب عالمي محترف يعي تمامًا أن ما يتفوه به يصبح التزامًا عليه ولا يجوز التهرب منه في ظل أكداس من مقاطع فيديو تتراص في قلب مغارات يوتيوب وكهوف السحابيات Clouds، وتقدم كشف حساب تقارن بين فيضانات الوعود والنتائج الفعلية.
جوارديولا الذي أطلق هذه التصريحات، هو نفسه الذي عقب على طلب إدارة الفريق، وقت توقيع العقد عام 2016، الفوز بدوري أبطال أوروبا، بقوله (يجب أن يكون لدينا أولاً نادي قوي يستطيع تحقيق هذه البطولة).
وبالفعل ركز الرجل على صناعة فريق ولم يشغل باله بشيء آخر. كان يخطط للمدى الطويل ونجح، لم يقع في فخ تصريحات تفتقد إلى أسس علمية، وإن غازلت مشاعر جماهير تتعطش للأهداف.
رسائل عدة تحملها المواقف السالفة؛ سواء ما جاء على لسان نايجل فاراج وبوريس جونسون بشأن البريكست، وما ذكره بيب جوارديولا، من الالتزام المهني يالمصارحة والمكاشفة، ورقي الحديث عن الأخطاء وأوجه القصور دون خجل في مجتمع واعٍ ناضج يعلم أن الجميع (يؤخذ منه ويرد عليه)، مجتمع لا ينصب مشانق للمخطئين عن غير عمد، ولا يضع رقابهم تحت سيف إهدار مال عام، يتساوى فيه القرش والمليار.
مثالان واضحان من مملكة تفخر بأنها أم الديموقراطيات وبقدرتها على تقديم نموذج يتعلم المواطن أسسه منذ الطفولة ويمارسه عامًا بعد عام، ليتخطى كرة القدم والسياسة ويصبح منهج حياة.