أضحت مجموعة البريكس تكتلاً اقتصادياً مهماً على المستوى العالمي، وبدأت كثير من الدول تبدي رغبتها بالانضمام إلى هذه المجموعة أملاً في تحقيق مصالح اقتصادية كبيرة، لكن السؤال الكبير الذي يدور في خلد المراقبين هو ما الدلالات الاستراتيجية لهذا التكتل الجبار؟.
قبل الولوج في هذا الموضوع علينا التعرف إلى ثقل هذه المجموعة، حيث تتشكل المجموعة من خمسة أعضاء حالياً وهي البرازيل، الهند، روسيا، الصين، وجنوب أفريقيا.، والمتوقع انضمام ست دول أخرى إلى البريكس في بداية العام 2024، وهي الإمارات، والمملكة العربية السعودية، مصر، الأرجنتين، إيران وإثيوبيا. وحسب المصادر المتوفرة فإن مجموعة سكان البريكس حالياً حوالي 3.21 مليارات نسمة، أي 41.5 في المئة من سكان العالم. كما تشكل اقتصاداتها الصاعدة ما يربو على 28 تريليون دولار، أي أكثر من ربع اقتصادات العالم. بينما تشكل مساحة أراضيها الشاسعة ما يزيد على 39 مليون كيلومتر مربع. ويتوقع عالم اقتصادي أمريكي أن المجموعة ككل ستكون مهيمنة على الاقتصاد الكوني في العام 2050.
وقد تربعت الولايات المتحدة على عرش النظام الاقتصادي العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وكانت أمريكا والتي خرجت من تلك الحرب منتصرة تستحوذ على حوالي نصف الاقتصاد العالمي، وتمتلك أكبر احتياط للذهب خارج المنظومة السوفيتية.
وعندما عقد اجتماع بريتون وودز في العام 1944، استطاعت الولايات المتحدة أن تتعهد بتقييم عملتها الدولار مقابل الذهب، وتكفلت الولايات المتحدة بدفع أونصة من الذهب لخمسة وثلاثين دولار. وبذلك أصبح الدولار مثل الذهب، بل أفضل من الذهب والذي يمكن لحامل الدولار أن يجني فوائد على إيداعاته من العملة الأمريكية.
وبهذا السبب بدأ العالم باقتناء عملة الدولار لجهة ضمان المقابل من الذهب وقوة الاقتصاد الأمريكي. وأضحى الدولار العملة المفضلة كاحتياط للدول وللتداول التجاري العالمي.
وفي الوقت نفسه كانت أمريكا تخوض حرباً باردة ضد الاتحاد السوفيتي وشركائه من حلف وارسو، بل تعادهم إلى الدول المستقلة حديثاً لتحجيم النفوذ الشيوعي فيها. وقد وظفت واشنطن قوتها الجيواقتصادية المهولة في الحرب الباردة. ومقابل ذلك كانت الولايات المتحدة تقدم خدمات عامة دولية لانسيابية التجارة الدولية وتدفق الرساميل عبر القارات وحماية طرق الملاحة البحرية عبر تواجد أساطيلها في أعالي البحار. وعززت من هيمنتها بإنشاء مؤسسات فاعلة في السياسة الدولية كالأمم المتحدة والتي مقرها في نيويورك. كما أنشأت منظمات دولية معنية بإدارة الاقتصاد العالمي وهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومقرّهما العاصمة الأمريكية واشنطن.
وكما قالت عالمة الاقتصاد السياسي الإثيوبية كارلا نورلوف إن الولايات المتحدة جنت الكثير من المصالح بلعبها دور المهيمن على الاقتصاد الدولي، وأن الخدمات العامة التي قدمتها سواء كانت العملة الدولية أو حماية حرية الأسواق أو القوة العسكرية للتدخل لمنع أية تهديدات للأمن الدولي لم يكن مجاناً. ورغم أن كثيراً من الدول استفادت من هذه الخدمات العامة نسبياً بشكل أكبر.
وهذه التطورات للاقتصاد السياسي للنظام العالمي أدى إلى نشوء تكتلات أخرى كبديل للنظام التي أسست له الولايات المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية، وقد شجع هذا التوجه ما حصل من أزمة مالية كبيرة في الولايات المتحدة لعام 2008، والذي عانت منه كثير من دول العالم. إضافة إلى تسييس منظومة الأسوفيت المالية من قبل واشنطن والتي باتت تتحكم في كثير من التبادل التجاري والمالي والعالمي خاضعة للسيادة الأمريكية دون مساءلة من قبل أي جهة دولية.
يقول المؤرخ الهندي، زروار سينغ، إن هناك ثلاث مساهمات رئيسة يقدمها تكتل بريكس للعالم. الأول يتعلق بالمحافظة على القيم الحضارية والنظم السياسية مع الانخراط في العولمة، والثانية خلق مؤسسات مالية مستقلة دون الاشتراطات والقيود التي تفرضها الأنظمة المالية الحالية. أما الثالثة هي تأسيس بنك التنمية الجديد والذي قدم منذ تأسيسه قروضاً ميسرة لمئة مشروع تختص بالبنية التحتية بقيمة 34 مليار دولار.
ختاماً، من المهم أن تكون مجموعة البريكس مجموعة اقتصادية تهتم بالتجارة والاستثمار وخلق نظام اقتصادي أكثر إنصافاً، وخاصة لدول الجنوب.