انتشر بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي موضوع انتحار امرأة تدعى ريما، وهناك من سماها المُلحدة، ومنهم من سماها المرتدة، ومنهم من قال عنها إنها "نسوية"، وغيرها من الألفاظ التي تسابق الجميع للانفراد والادلاء بها.
لا يهمني هنا من تكون ريما، ولا يهم أيضًا من أي أرض أتت وهاجرت، وكذلك لا يهم ما فعلته وماذا صار لها لكي تنتحر. المهم في هذه القصة هل وجدت هذه المرأة ذات العشرين عاماً حق التنشئة الاجتماعية والرعاية الأبوية السليمة مع أسرتها على وجه الخصوص؟! كيف لها أن تهاجر وتتبنى أفكارًا شاذة حسب ما تم تداوله وهي ما زالت في مُقتبل العمر حتى لم تكمل دراستها الجامعية بعد. أنا هنا أتساءل!
لا ينبغي لنا أن نقسو على أبنائنا إن لم نحسن تربيتهم، وقبل الحديث عن حق المرأة في التنشئة الاجتماعية والرعاية الأبوية في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فقد كرم الدين الإسلامي المرأة أيّما تكريم وأعزها أيّما عزة، ولا يقتصر دور المرأة في الإسلام على كونها امتدادًا للرجل، رغم أن بعض العلماء والمؤرخين يختزلون دورها نسبة للرجل: فهي إما أمه أو أخته أو زوجته. أما واقع الحال فأن المرأة كانت لها أدوارها المؤثرة في صناعة التاريخ الإسلامي بمنأى عن الرجل. فنرى المرأة محتوية لأسرتها كما حدث للسيدة خديجة وموقفها مع الرسول الكريم واحتوائه في حمل الرسالة. وهذا الاحتواء جزء أصيل من التنشئة الاجتماعية. كذلك أم سلمة التي قامت بدور فعّال في درء الفتنة التي كادت تتبع صُلح الحديبية. وغيرهن، سواء من زوجات النبي أو من الصحابيات، بعضهن من كانت محاربة وأخرى معالجة للجرحى في المعارك وغيرها من الأدوار القيادية التي كانت تمارسها المرأة.
لقد وضع الإسلام الأسس التي تكفل للمرأة العدل والحقوق. كما سنّ القوانين التي تصون كرامتها وتمنع استغلالها جسديا أو عقليا، ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة.
ومع ذلك فإن بعض العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية تقف أمام وصول المرأة إلى وضعها العادل في بعض المجتمعات الشرقية وليس العائق الدين أو العقيدة وإنما العائق الوحيد هو الفكر المتطرف والتنشئة غير السليمة، فيحدث لها ما حدث لريما وربما أخريات.
أكّد الإسلام أن المرأة والرجل متطابقان في الحقيقة الإنسانية، إلّا أنهما صنفان وذلك لحكمة إلهية، كما أن الفروقات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة لا تنقص من قدر أي منهما: فهي طبيعة كل منهما المميزة والتي تتيح له أن يمارس الدور الأمثل من الناحية الاجتماعية. وكل هذا منصوص عليه في الموروث الإسلامي والمصادر النقلية من الكتاب والأحاديث.
لذلك كان لا بُد علينا من الاتزان والاعتدال في تربية النشء وخصوصا المرأة وإعطاءها كامل حقوقها المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية (القرآن والسنة).
أما على المستوى الوطني، فقد أولت سلطنة عمان اهتمامًا واسعًا بالمرأة وحقوقها، وكفلت لها القوانين هذه الحقوق بالتساوي مع الرجل فيما لا يعارض الشريعة الإسلامية، وهذا الأمر بحاجة إلى مقالات واسعة ومساحات أوسع للتطرق إليه وإبراز مؤشراته.
ومجمل الحديث ونقطة الوقوف تكمن في دور الأسرة في تنشئة أبنائها التنشئة الصالحة والسليمة؛ سواءً كانوا ذكورًا أم إناثًا، فالغلو المفرط أو التفكك الأسري المقيت قد ينتج لنا ضحية أخرى مثل ريما أو ربما شخصا متطرفا فكريًا.
علينا جميعا أن نُحسن التربية؛ فهذا واجب تشريعي قبل أن يكون واجبًا أسريًا أو وطنيًا، وأن نُدرك ذلك من خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- عند لقائه بأعيان المجتمع؛ حيث أشار الى أهمية التربية والتنشئة الاجتماعية السليمة للأسرة بعيدًا عن تنشئة مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من المؤثرات الخارجية، التي قد تؤثر سلبًا على تنشئة هؤلاء الأطفال.
وأنصح نفسي أولًا بأن أكون لابنتي الأب والأخ الحقيقي، القادر على أن يحتويها ويحتوى أفكارها وهواجسها.