في أكتوبر من العام الماضي، نشرت جريدة "The Economic Times" في صدر افتتاحيتها تمكن الهند من انتشال أكثر من أربعمائة مليون مواطن من تحت خط الفقر، في غضون خمسة عشر عامًا، (2006 – 2021)، لينخفض مؤشر الفقر من 55,1% عام 2006، إلى 16,4% في 2021.
كعادتها، تحمل الأرقام رسائل عديدة؛ استطاعت دولة أكثر من نصف سكانها فقراء، عبر برنامج مستدام بدأه السيد مانموهان سينج (2004 – 2014)، عن حزب المؤتمر الوطني الهندي، واستكمله السيد ناريندرا مودي (2014 - الآن)، حزب بهاراتيا جاناتا.
لم يؤثر تغير الوزارة على استكمال برنامج مكافحة الفقر، الذي بدأه الرجل المعجزة، سينج، كما يلقب في الهند، والذي كان وزيرًا للمالية قبل توليه منصب رئيس الوزراء واستطاع بخبرته تجاوز الأزمة المالية الكبيرة، ولم يمنعه انخفاض احتياطي النقد الأجنبي لنحو مليار دولار في إطلاق البرنامج.
من ذات السياق، يناهز عدد السكان الذين استفادوا من البرنامج؛ 415 مليون، عدد سكان الدول العربية جميعًا، ونحو أربعة أمثال عدد سكان مصر، مما يعني أن الإصلاحات الاقتصادية ممكنة حتى في الأزمات، وقادرة على إحداث فرق، فضلاً عن مراعاة البعد الاجتماعي، لينهض البلد بكامل طبقاته.
اليوم تحتل الهند المركز الخامس على مستوى العالم من حيث إجمالي الناتج القومي؛ أكثر من 3 تريليون دولار، وينتظر أن تنافس خلال السنوات القليلة القادمة، وبقوة، كل من اليابان وألمانيا، اللتين تحتلان المركزين الثالث والرابع، بأكثر من أربعة تريليون لكل منهما، على الترتيب، بينما تتصدر الولايات المتحدة القائمة ومن خلفها الصين، بإجمالي يفوق 25، و18 تريليون، على الترتيب.
وقد استطاعت الهند بنهاية أغسطس الماضي تحقيق إنجاز تاريخي في علوم الفضاء، بهبوط مسبار تشاندرايان-3 على القطب الجنوبي للقمر، لتصبح رابع دولة بعد روسيا في 1959، ثم أمريكا بعدها بعشر سنوات، والصين عام 2018، إلى جانب ذلك تشهد الهند نهضة كبيرة في مجالات الاتصالات، والصناعات التكنولوجية، وحتى صناعة السينما، وتأسيس بوليوود، على غرار هوليود الأمريكية.
أوائل سبتمبر الجاري، وعلى مدى يومين، استضافت الهند قمة العشرين ليتحلق حول الطاولة ممثلو أكبر عشرين اقتصادًا عالميًا، يملكون أكثر من 90% من الناتج القومي العالمي، و80% من التجارة العالمية، وثلثي سكان العالم، (يصل تعداد سكان الهند والصين وحدهما إلى نحو ثلاثة مليارات نسمة؛ أكثر من ثلث سكان العالم).
للوجوه حول الطاولة دلالات يصعب تجاوزها؛ السيد أجاي بانجا، الرئيس الرابع عشر للبنك الدولي، من أصول هندية، وحصل على الجنسية الأمريكية عام 2007، بعد مسيرة مهنية مميزة في قطاع المصارف. وهناك أيضا السيد ريشي سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة ورئيس حزب المحافظين، بريطاني من أصول هندية أيضًا، تجاوز الأربعين من عمره بقليل.
كذلك، يجلس الرئيس الأمريكي بايدن إلى الطاولة، بينما تتداعي في الخلفية ظلال أمريكي من أصول هندية؛ السيد فيفيك راماسوامي، أحد أبرز مرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة، وأهم منافسي الرئيس الأسبق دونالد ترامب.
وكذلك، تجلس المملكة العربية السعودية ومن خلفها أكثر من أربعة ملايين هندي يساهمون في صناعة اقتصاد المملكة؛ بداية من عاملات المنازل حتى رؤساء الشركات؛ أي نحو 13% من إجمالي عدد السكان.
بينما يتصدر الطاولة ابن رجل هندي بسيط كان يبيع الشاي في محطات السكك الحديد، اندمج منذ صغره في الحياة السياسية حتى وصل إلى منصب رئيس الوزراء؛ ناريندرا مودي، الذي يرى للهند صورة مغايرة لما يراه الآخرون، حتى من حيث الاسم، بهارات بدلاً من الهند. لن ننتظر طويلاً.. إنهم قادمون!!.